للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَلَيْهِ إِنْ حَلَّ مِنْ حَجَّ حَجٌّ وعُمْرَةٌ،

===

بدَنَةً (١) ودعا حلاَّقاً فحلَقه، فلما رَأَوا ذلك قاموا فَنَحَروا وجعل بعضُهم يحلِق بعضاً، (حتى كاد بعضُهم يقتلُ بعضاً غماً … الحديث) (٢) .

ولهما أَنَّ الحَلْق عُرِفَ قُربةً إِذا كان مرتباً على أَفعالِ النُّسُكِ، ولم يُوجد أَفعالهُ ههنا، وأَمْرُه صلى الله عليه وسلم بالحَلْقِ ليعرِفَ المشركون عَزْمهم على الانصراف، فلا يشتغلون بأَمْرِ الحرب، ويحصُل الأَمْن من كَيْد المشركين.

فإِنْ قيل: كيفَ يَقُولانِ بِجَوازِ التحلُّلِ للمُحْصَر قبل الحلْق مع صريحِ النهيِّ بقوله تعالى: {ولا تَحْلِقُوا رُؤوسكُم حَتَى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه} (٣) ، والآية نَزَلَتْ في حَقِّ المُحْصَر، وحيثُ كان مَنْهِياً عن الحلقِ قبل الغايةِ كان مَأْمُوراً به بعدَها، لأَنَّ حُكْمَ ما بعدَها يخالفُ حُكْمَ ما قبلَها؟ أُجِيبَ بأَنَّ اللهَ نَهَى المُحْصَر عنه حتى يبلغَ الهديُ مَحِلَّه بهذه الآية، فذاك دليل الإِباحة بعد بلوغه مَحِلَّه لا دليل الوجوب كما في سائر المحظورات، مع أَنْ الحلْق واجب عليه للإِحلال، والدَّمُ أُقِيم مُقَامه فيُستغنى به عنه، وفِعْلُه صلى الله عليه وسلم وأَمْرُه بالحلْق إِنما كان لأَنهم كانوا يمتنعونَ عن التحلل طمعاً في دخول مكة (يَرَوْنَ) (٤) التحلل بالحلْق، فقطع بالأَمْرِ به أَطماعَهم، تسليماً لأَمْر اللَّهِ، وانقياداً لِحُكْمه، حتى جاء الله بالنَّصر والفتح.

هذا، ولا نرى نحنُ الصومَ للمُحْصَر بدلَ دم الإِحصار مجزياً، خلافاً لأَبي يوسف في روايةٍ، وهو أَظْهر أَقوال الشافعيُّ، فيقوَّم الدَّمُ ويتصدق به، وعند عَجْزهِ يصومُ عن كل صاعٍ يوماً ويتحلَّلُ به بمنزلةِ الهَدْي في جزاءِ الصيد، وهذا قول عطَاء. وفي «أَمالي أَبي يوسف»: هذا أَحَبُّ إِلي. وفي قولٍ للشافعي: إِذا عجزَ عن الهَدْي يصومُ مكانَه عشرةَ أَيَّام، عل قياسِ هَدْي المتعة. قلنا: هذا كلُّه قياسُ المنصوصِ على المنصوصِ، وإِنه لا يجوزُ، بل المَرْجِعُ في كُلِّ موضعٍ إِلى ما وقع التنصيص عليه، ولا يجوز العدول عنه إِلى غيره.

(و) يجب (عَلَيْهِ) أَي على المُحْصَر (إِنْ حَلَّ مِنْ حَجَ حَجٌّ) لِلُزُومه بالشروع (وعُمْرَةٌ) لأَنه في معنى فائتِ الحَجِّ، فإِذا لم يأْت بها قضاها، وهو قول ابن مسعود


(١) البَدَنَة: الإِبل والبقر. معجم لغة الفقهاء ص ١٠٥.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) سورة البقرة، الآية: (١٩٦).
(٤) في المطبوع: يردون، وما أثبتناه من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>