للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُؤيةُ المستيقِظِ المَنِيَّ أو المَذْيَ،

===

«إذا جاوَزَ الخِتانُ الخِتانَ وجَبَ الغُسْلُ، فعلتُهُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاغْتَسلْنا».

ولا يُعارِضُهُ قولُه صلى الله عليه وسلم «إنَّما الماءُ مِنْ الماءِ» لما روى أبو داود والترمذي وصحَّحه أنَّ الفُتْيَا التي كانوا يُفتُون ـ إنما الماءُ مِنْ الماءِ ـ كانتْ رُخصةً رَخَّصها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أمَرَ بالاغتسال، وفي روايةٍ: «ثم أمَرَنا»، فهذا مُصَرِّحُ بالنَّسْخ، ولأنَّ الماءَ موجودٌ فيه تقديراً لأنه سبَبُ الإِنزال، إذ الغالبُ في مِثلِه الإِنزال، وهو مُتَغيِّبٌ عن بَصَرِه، فأُقِيم السبَبُ الظاهرُ ـ وهو الالتقاءُ ـ مُقامَ الإِنزال احتياطاً، وما ذكرناه مأثورٌ، لأنَّ هذا الفعلَ أُقِيمَ مُقامَ الإِنزال في حقِّ وجوبِ الحَدِّ، فلأنْ يقومَ مَقامَهُ في وجوب الغُسل أولى. وبهذا احتَجَّ عليّ رضي الله عنه على الأنصارِ فقال: تُوجِبُون الرَّجْمَ ولا تُوجِبُون صاعاً من الماء.

ثمَّ السببيَّةُ موجودةٌ على الكمالِ في الإِيلاج في الدُّبُر لكونه سبباً لخروج المنيّ غالباً كالإِيلاج في القُبُل لاشتراكهما في دواعي الإِنزال، ويجبُ على المفعولِ به وإن لم يكنْ سبباً لنزول مائه احتياطاً لوجوب الغُسل.

ثمَّ مُطلَقُ الإِيلاج في الآدمي يتناوَلُ الذَّكَرَ في القُبُلِ والدُّبُرِ وإيلاجَ الإِصبع، وفي إيلاج الإِصبعِ الدُّبُرَ خلافٌ في إِيجابِ الغُسْل (١) .

(ورُؤيةُ المستيقِظِ) أي عِلمُهُ ليَدْخل الأعمى. والرؤيةُ تُستعمل في معنى العلم باتفاقِ أهل اللغة، ومنه: رأيتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيء. (المَنِيَّ) بالنصب على المفعولية (أو المَذْيَ) بفتح الميم فسكون معجمة، وبكسر المعجمة وتشديد الياء: ما يَخرجُ من الرجل عند الملاعبةِ مع أهله. وهو ماءٌ رقيقٌ يَضرِبُ إلى البياض. وأمَّا ما يَخرجُ من المرأةِ فيُسمَّى القَذَى بفتح القاف والذال المعجمة. يَعنِي إذا استيقَظَ النائمُ فوجَدَ بَللاً، فإن كان مَنِيّاً يجبُ عليه الغُسلُ تذكَّرَ احتلاماً أو لم يتذكَّر، وكذلك إن كان مَذْياً.

وقال أبو يوسف: لا غُسْلَ عليه إن رأى مَذْياً ولم يتذكَّر احتلاماً، لأنَّ خُروجَ المَذْي موجب (٢) للوضوءِ لا للغُسْلِ حالَ اليقَظَة، فبالحَرِيّ (٣) أن لا يُوجِبَ في المنام، وبه أخَذَ خلَفُ بن أيُّوب وأبو الليث لكونِه أقيس.


(١) والمختار أنه لا يجب الغسل، وأفاد كلامه أنه لا خلاف في وجوب الغسل بإيلاج الأصبع في القُبُل، والظاهر أن فيه خلافا، والمختار عدم وجوب الغسل منه أيضًا. أفاده الشيخ عبد الفتاح - رحمه الله - وانظر "رد المحتار" ١/ ١١٢.
(٢) في المطبوعة: "يوجب" بدل "موجب".
(٣) في المخطوطة: "فبالأحرى".

<<  <  ج: ص:  >  >>