للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقوله صلى الله عليه وسلم «النكاحُ سُنَّتي، فمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مِنِّي» (١) . أي مِنْ أتْبَاعي في اتِّبَاعي. وقيل: فرض كفاية لقوله تعالى: {فانكِحُوا ما طابَ لكم} (٢) .

وتعليق الحكم بالعام لا ينفي كونَه على الكفاية، لأن الوجوب في الكفاية على الكلّ، ولقوله صلى الله عليه وسلم «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فإني مُكَاثرٌ بكم الأُمَمَ». رواه عبد الرزاق، عن سعيد بن أبي هلال مرسلاً. وقوله صلى الله عليه وسلم لعَكَّاف بن وَدَاعة الهِلالي: «أَلَكَ زوجةٌ يا عَكَّاف»؟ قال: لا، قال: «ولا جارية»؟ قال: لا، قال: «وأنت صحيح مُوسِرٌ» قال: نعم، والحمد لله، قال: «فأنت إذاً من إخوانِ الشياطين إما أن تكونَ من رُهبان النصاري، فأنت منهم، وإما أن تكونَ مِنَّا، فاصنع كما نَصْنَعُ، وإنَّ من سُنَّتِنا النكاحَ، شِرَارُكم عُزَّابُكُم، وأَرَاذِلُ موتاكم عُزَّابُكُم، ويحك يا عَكَّاف، تَزَوَّجْ». فقال: يارسول الله، لا أتَزَوَّجُ حتى تُزَوِّجَني مَنْ شئتَ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد زَوَّجْتُكَ على اسم الله والبركةِ كَريمةَ بنتَ كُلْثُومٍ الحِمْيَرِي». رواه أبو يَعْلَى في «مسنده»، من طريق بَقِيَّة.

وقيل: واجبٌ على الكفاية، لما أنَّ الثابت بخبر الواحد الظنُّ (٣) ، والآية لم تُسَقْ إلا لبيان العدد المُحَلَّل (٤) . وعند أصحاب الظواهر: إنه فرض عين على القادر على الوطء، تمسكاً بظاهر الآية والحديث.

والأصح أنه يجب عند التَّوَقَان، ويُكره حال الخوف من الجَور والعدوان، فهو أفضل من التخلِّي للعبادة عندنا، وعَكَسَه مالكٌ والشافعيّ لقوله تعالى: {وسَيِّداً وحَصُوراً} (٥) ، فقد مُدِح يحيى عليه السلام بأنه كان حَصوراً، والحَصُور: الذي لا يأتي النساء مع القدرة على الإتيان.

وحجتنا التمسك بحال النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه حيث اشتغل بالتزوج حتى انتهى العدد المشروع المباح له (٦) ، والاستدلال بحال رسولنا أولى من الاستدلال بحال


(١) أخرجه ابن ماجه في سننه ٢/ ٥٩٢، كتاب النكاح (٩)، باب ما جاء في فضل النكاح (١)، رقم (١٨٤٦).
(٢) سورة النساء، الآية: (٣).
(٣) أي الثابت بالحديثين المارين: "تناكحوا"، و"تزوَّج" يفيدان الظن.
(٤) أي قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم … } سِيقَ لبيان عدد النساء المُحَلَّل الزواج بهن في وقت واحد ولم تُسَق الآية لبيان الوجوب العيني على كل فرد.
(٥) سورة آل عمران، الآية: (٣٩).
(٦) عبارة المخطوط: وحجتنا التمسك بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفسه، وهو اشتغاله بالتزوج حتى أُنهى العدد المشروع المباح له.

<<  <  ج: ص:  >  >>