للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمُحْرِمِ وَالمُحْرِمَة

===

رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُنْكَحَ الأمةُ على الحرة. قال: هذا مرسل إلا أنه في معنى الكتاب، وهو قول جماعة من الصحابة.

وأما قول صاحب «الهداية»: ويجوز تَزَوُّج الحرة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم «تُنْكَحُ الحرة على الأمة»، فرفعه وَهمٌ، وإنما هو موقوف على عَليَ، كما رواه الدَّارَقُطْنِيّ عنه بلفظ: إذا تزوجتَ الحرةَ على الأَمة قَسِّمْ لها يومين وللأَمة يوماً. لأن الأَمة لا ينبغي لها أنْ تُزَوَّجَ على الحرة. ثم قوله سبحانه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُم} (١) . فيد عدم جواز نكاح الأَمة مطلقاً حين لا ضرورة من خشية العَنَت وهو: الخوف على نفسه من الزنا.

(و) صح نكاح (المُحْرِمِ وَ) نكاح (المُحْرِمَة) بالحج أو العمرة، وهو مذهب الثَّوري. وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يَصِحُّ نكاحُ المُحْرِم زوجاً كان أو وَلِيًّا، ولا نكاحُ المُحْرِمة، لِمَا روى الجماعة إلا البخاريَّ من حديث نُبَيْه بن وَهْبٍ: أن عمر بن عُبَيد الله أرسله إلى أبانَ بنِ عثمان بن عفان يسأل، وأبانُ يومئذٍ أميرُ الحجِّ، وهما مُحْرِمان: إني أردت أن أُنْكِح طلحةَ بن عمر ابنةَ شَيبةَ بن جُبَير؟ فقال أبان: سمعتُ أبي عثمانَ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ ولا يُنْكَح». زاد مسلم وأبو داود في رواية: «ولا يَخْطُب»، وزاد ابن حِبَّان: «ولا يُخْطَبُ عليه»، وهما (٢) محمولان على الكراهة اتفاقاً، فليكن ما قبلها كذلك، ولِمَا في «الموطأ» عن داود بن الحُصَين أن أبا غَطَفَان المُرِّي (٣) أخبره أن أباه طَرِيفاً تَزَوَّج امرأةً وهو محرم، فردَّ عمر نكاحه.

ولنا إطلاق قوله تعالى: {وأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُم} (٤) وصريحُ ما في الكتب الستة من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج مَيْمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ. زاد البخاري: وبَنَى بها وهو حلال، وماتت بسَرِف. وهو ظرف للبناء والموت، وهو من أعجب التواريخ (٥) .


(١) سورة النساء، الآية: (٢٥).
(٢) أي: الخِطبة، والخِطبة على الخِطبة.
(٣) حُرِّفت في المخطوط إلى: المزني، وهو خطأ، والمثبت هو الصواب انظر الموطأ ١/ ٣٤٩، وتقريب التهذيب ص ٦٦٤.
(٤) سورة النساء، الآية: (٢٤).
(٥) وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنى بالسيدة ميمونة رضي الله عنها بسَرِف، وقدَّر الله أنها ماتت بعد ذلك بسَرِف. فتح الباري ٧/ ٥١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>