إذ ليس كل وليَ يُحْسِنُ المرافعة إلى القاضي، ولا كل قاضٍ يَعْدِل، ولذا قيل: الوقوف على باب القاضي في هذا الزمان ذُلٌّ، فَسَدُّ هذا الباب أَولى.
والمطلقة ثلاثاً لو زَوَّجتْ نفسَها من غير كُفُؤ ودخل بها، ثم طَلَّقها لا تَحِلُّ للزوج الأول على ما هو المختار من رواية الحسن.
(وَلا يُجْبِرُ وَلِيٌّ بَالِغَةً وَلَوْ كَانَتْ بِكْراً) وله أن يُجْبِرَ غيرَ البالغة ولو كانت ثَيِّباً، وقال مالك، والشافعي، وأحمد: وهو قول ابن أبي ليلى: يُجْبِر الأبُ والجَدُّ البِكرَ البالغةَ، لأنها جاهلةٌ بأمر النكاح في الجملة، كالبِكْر الصغيرة.
فمدار إجبار الوليِّ عندنا على الصِّغَر، كانت بكراً أو ثَيِّباً، وعندهم على البَكَارَة، كانت صغيرةً أو كبيرةً. ومعنى الإجبار: أن يَنْفُذَ عقدُ وَلِيِّها عليها (١) وإن أَبَتّ أو رَدَّتْ. واحتجا بما في «صحيح مسلم»: «الثَيِّبُ أحَقُّ بنَفْسِهما من وَليِّها، والبِكْرُ يَسْتَأْمِرُها أَبُوها في نفسها». باعتبار أنه خصَّ الثيِّبَ بأنها أحق، فأفاد أنَّ البِكْرَ ليست أحقَّ بنفسها منه، فاستُفِيدَ ذلك بالمفهوم.
ولنا ما رُوِّينا من قوله صلى الله عليه وسلم «والبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِها، وإذْنُها صُمَاتُها». وما روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والنَّسَائي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنَّ جاريةً بِكراً أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرت أنَّ أباها زَوَّجها وهي كارهةٌ، فَخَيَّرَهَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهذا حديث صحيح، فإنه مُخَرَّجٌ لرجاله في «الصحيحين».
وما في النسائي عن عبد الله بن يَزيد، عن خَنْسَاء قالت: أنْكَحَنِي أبي وأنا كارهةٌ، وأنا بِكرٌ، فَشَكَوتُ ذلك إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«لا تُنْكِحْهَا وهي كارهة». ولكنْ ذكرَ البخاريّ أنها كانت ثَيِّباً قال ابن القطان: وتَزَوَّجَتْ خَنْسَاءُ بمَن هَوِيَتْ، وهو أبو لُبَابَة بن عبد المُنْذِر، صَرَّح به في «سنن ابن ماجه».
وفي «سنن الدَّارَقُطْنِيّ» عن جابر أن رجلاً زوَّج ابنَتَه وهي بِكرٌ من غير أمرها فَأتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَفَرَّقَ بينهما. وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّ رجلاً زوَّج ابنتَه بِكراً، فكرِهَتْ ذلك، فردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم نِكاحَها. وفي رواية قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْتَزِعُ النساء من أَزواجِهِنَّ ثيباً وأبكاراً بعد أن يُزَوِّجَهُنَّ الآباءُ إذا كَرِهْنَ ذلك. وصحح الدَّارَقُطْنِيّ إرسال الحديث الأول وَوَصَل الثاني.