للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَمْتُها وَضَحِكُهَا وَبُكَاؤُها بِلا صَوْتٍ: إذْنٌ، وَمَعَهُ رَدٌّ حِينَ اسْتَئْذَانِهِ، أَوْ بُلُوغِ الخَبَرِ

===

وعن ابن عباس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ نكاح بِكْرٍ وثَيِّبٍ أَنْكَحَهُما أبوهما، وهما كارهتان إلا أنّ الدَّارَقُطْنِي جعله مرسَل عِكْرِمَة. وفي «سنن النسائي» و «مسند أحمد» عن عائشة قالت: جاءتْ فتاةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبي زَوَّجني ابن أَخِيهِ ليرفع بي خَسِيسَته قال: فجعل الأمرَ إليها، فقالت: أجَزْتُ ما صَنَع أبي، ولكن أردتُ أن تَعْلَمَ النِّسَاءُ أنّ ليس إلى الآباءِ من الأمر شيءٌ.

وهذا يفيد بعمومه أنْ ليس له المباشرةُ حقاً ثابتاً، بل الاستحباب، وفيه دليلٌ من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم قولَها ذلك أيضاً، وهو حديثٌ حُجَّةٌ، وحَمْلُهُ على أنَّ ذلك لعدم الكفاءَةِ خلافُ الأصل، مع أن العَرَب إنما يَعتبرون الكفاءة بالنَّسَب، والزَّوْجُ كان ابنَ عَمِّها

(وَصَمْتُها) أي صَمْتُ البِكْر (وَضَحِكُهَا وَبُكَاؤُها بِلا صَوْتٍ: إذْنٌ، وَمَعَهُ) أي مع الصوت (رَدٌّ) لأنه إذا خرج الدمع من عينها من غير صوت البكاء لم يكن رداً، بل هو تَحَزُّنٌ على مُفَارَقَةِ بيت أبوَيها (حِينَ اسْتَئْذَانِهِ) أي وقت استئذانِ الوليّ البِكرَ (أَوْ بُلُوغِ الخَبَرِ) لها مع رسول الوليّ، أو مع فُضُوليَ.

أما كون الصمت من البكر إذْناً، فلِمَا في الكتب الستة من حديث أبي هريرة أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرُ ـ أي يُطْلَب (أمرها) (١) صريحاً ـ ولا تُنْكح البِكر حتى تُسْتَأْذَن»، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنُها؟ قال: «أن تَسْكُتَ».

وأما الضحك فلأنه يحتمل الردَّ والرضاء، فلا يَثْبُتُ واحدٌ منهما للمعارَضة، فيبقى مجرَّدُ السكوت وهو الرضاء، أو لأن الضحك أدلُّ على الرضاء بالتصرف من السكوت، لكن بلا استهزاء لِمَا سَمِعَتْ، والضَّحِكُ (الذي يكون) (٢) بطريق الاستهزاء معروفٌ بين الناس.

وأما البكاء، فعن أبي يوسف فيه روايتان: في رواية يكون رضاً، لأن البكاء قد يكون عن سرور، وقد يكون عن حُزْنٍ، فلا يَثبت واحد منهما للمعارضة، ويبقى مجردُ السكوت وهو رضًى، وفي رواية: لا يكون رضًى، وهو قول محمد، لأن البكاء غالباً يكون عن حُزْن.

والمختارُ أنه إن كان مع الصِّيَاح يكون دليلاً على الردِّ، وإن كان مع السكوت


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>