للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَولُهَا: رَدَدتُّ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: سَكَتِّ. وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلى سُكُوتِهَا،

===

وأما مَنْ زالت بكارتُها بِزِناً، فالمذكور هنا قول أبي حنيفة، وقالا: ـ وهو قول الشافعي في الجديد، وأحمد في رواية ـ لا يكون سكوتُها إذناً لأنها ليست ببِكْر (حقيقة) (١) ، لأن ما يُصيبها ليس بأول مصيب لها.

ولأبي حنيفة أنّ الشارع جعل سكوتَها رِضاً لا للبَكَارة بل لِعِلَّةِ الحياء، فإن عائشة لَمَّا أَخْبَرَتْ أنها تَسْتَحي قال: «سكوتها رضاها» (٢) . وعلة الحياء هنا موجودة، بل مع الزيادة. وبعض مشايخنا يقولون في هذين الفصلين: يُكْتَفَى بسكوتها أيضاً، لأنها بكرٌ شرعاً، ألا ترى أنها تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم «البِكْرُ بالبِكْرِ جلدُ مِئَةٍ» (٣) ، ولكن هذا ضعيفٌ، فإن هذا موجود في الموطوءة بشُبهةٍ ونكاحٍ فاسد، ولا يُكْتَفى بسكوتها اتفاقاً، فعُلِم أن المُعْتَبَر هنا بقاءُ صفة الحياء، لأن الشرع أظهر ذلك الفعلَ عليها حين أَلْزَمَ المَهْرَ والعِدَّةَ، وأثبتَ النَّسَبَ، بخلاف هذه، إذ لم يُعَلِّق به شيئاً من الأحكام، بل أمرها بالسَّتْر على نفسها بقوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ أصاب من هذه القَاذُورَات شيئاً فليستتر بستر الله» (٤) .

(وَقَولُهَا) أي قول البِكْر عند مُخَاصَمَة الزَّوج: (رَدَدتُّ) عند الاستئذان، أو عندما بلغني الخبرُ بالتزويج (أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ) أي قول الزوج: (سَكَتِّ) ولم تَرُدِّي.

وقال زُفَر: قوله أولى، لأنه يَدَّعي الأصل، لأن السكوت أصلٌ والردُّ عارِضٌ.

ولنا أن الزوج يَدَّعي تَمَلُّك بُضْعِها وهي تدفعه، فتكون مُنْكِرةً في المعنى، والقولُ قولُ المُنْكِرِ، كما لو ادَّعَى أصلَ العقد وأنكرتْ هي، وهذا لأن العبرة للمعاني لا للصُّوَرِ والمباني، فإنّ المُوْدَعَ إذا قال: رددتُّ الوديعةَ (وأنكر صاحب الوديعة) (٥) ، كان القولُ قولَه، لأنه يُنْكِر الضمان من حيث المعنى.

(وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) أي بَيِّنَةُ الزوج (عَلى سُكُوتِهَا) وتُقَدَّمُ (٦) على بينتها أنها ردت،


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٩/ ١٩١، كتاب النكاح (٦٧)، باب لا يُنْكِحُ الأب وغيره البكرَ والثيبَ إلا برضاها (٤١)، رقم (٥١٣٧).
(٣) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ٣/ ١٣١٦، كتاب الحدود (٢٩)، باب حد الزنى (٣)، رقم (١٢ - ١٦٩٠).
(٤) أخرجه الإمام مالك في موطئه ٢/ ٨٢٥، كتاب الحدود (٤١)، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا (٢)، رقم (١٢).
(٥) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوعة.
(٦) أي وتُقدَّمُ بَيِّنَتُه على بَيِّنَتِها.

<<  <  ج: ص:  >  >>