للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَوَلَّى طَرَفَي النِّكَاحِ وَاحِدٌ غَيرُ فُضُوليٍّ.

===

فمات بأرضِ الحَبَشَةِ، فزوَّجها النَّجَاشِيُّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعةَ آلافِ درهم، وبعثها مع شُرَحْبِيل، فَقَبِل صلى الله عليه وسلم

(وَيَتَوَلَّى) عندنا ومالك (طَرَفَي النِّكَاحِ) وهما الإيجاب والقَبول (وَاحِدٌ غَيْرُ فُضُولِيَ) سواء كان ذلك الواحد:

وَليًّا من الجانبين، كمن زوَّج ابنَ ابنِه بنتَ ابنه الآخَر بقوله: زوجتُ فلاناً من فلانة.

أو وكيلاً من الجانبين، كمَن وكَّله رجلٌ بالتزويج ووكلته امرأةٌ به أيضاً، فزوَّج أحدَهما بالآخر.

أو وكيلاً من جانب ووليًّا من جانب، كمن وكَّله رجلٌ بأن يُزَوِّجه ابنتَه فزوَّجه بها.

أو أصيلاً من جانب ووكيلاً من جانب، كمن وكَّلته امرأةٌ بأن يزوِّجها من نَفسِه فزوجها (١) .

أو أصيلاً من جانب وولياً من جانب، كمن زوَّج بنتَ عمه الصغيرة من نفسه.

وإذا تَوَلّى طَرَفَيْه، فقوله: زَوَّجْتُ، يتضمنُ الشطرَين، فلا يحتاج إلى القَبول. وقال زُفَرُ والشافعي: لا يتولَّى واحدٌ طرفي عقدِ النكاح، كما لا يتولَّى طرفي عقد البيع.

ولنا أن العاقد في النكاح سفيرٌ ومُعَبِّرٌ، ولهذا لا ترجع حقوق النكاح إليه، والواحدُ يَصْلح معبِّراً عن الجانبين، ولذا لا يَستغني عن إضافة العقد إليه، والعاقد في البيع أصيلٌ، ولذا تَرجِع حقوقُ البيع إليه حتى استغنى عن إضافة العقد إليه، والواحدُ لا يَصلح أن يكون أصيلاً من الجانبين، لِتَبَايُنِ الحُقُوقِ المُفْضِية إلى أحكام متضادَّةٍ، بأن يكون مُطالِباً ومُطَالَباً، ومُسَلِّماً ومُسَلَّماً، ومُخَاصِماً ومُخَاصَماً.

ومن أدلَّتنا قوله تعالى: {وَإنْ خِفْتُم ألاّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} (٢) أي في نكاح اليَتَامى، فهو دليل على أنّ للوليِّ أنْ يُزَوِّج وَلِيَّتَهُ من نفسه، وكذا قوله تعالى: {وتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ} (٣) دليلٌ لذلك، وفي الحديث: أنَّ شُرَطَ عليَ رضي الله عنه أَتَوْهُ بشيخٍ مع جاريةٍ، فسأله عن قِصَّتِها؟ فقال: إنها ابنةُ عَمِّي، وإني خَشِيتُ أنها إذا بَلَغَتْ تَرْغَبُ


(١) في المخطوط: فتزوجها.
(٢) سورة النساء، الآية: (٣).
(٣) سورة النساء، الآية: (١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>