للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَجِبُ العَشَرَةُ إنْ سَمَّى دُونَهَا، وإن سَمَّى غَيْرَهُ

===

فالكلُّ محمولٌ على المُعَجَّل، لأن العادة عندهم كانت تعجيلَ بعضِ المَهْرِ قبل الدُّخول، حتى نُقِلَ عن ابن عباس، وابن عمر، والزُّهْرِيّ، وقَتَادَة: أنه لا يَدْخُلُ بها حتى يُقَدِّمَ لها شيئاً، تمسُّكاً بمنع النبيِّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا عن الدخول على فاطمة حتى يُعْطِيَهَا شيئاً، فقال: يا رسول الله، ليس لي شيءٌ فقال: «أعْطِها دِرْعَكَ»، فأعطاها درعه، ثم دخل بها (١) . ومعلوم أنّ الصَّدَاقَ كان أرْبَعَ مِئةِ درهم فِضةً.

لكنَّ المختارَ الجوازُ قبله، لِمَا في «سنن أبي داود» عن عائشة قالت: أَمَرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أُدْخِلَ امرأةً على زوجها قبل أن يُعْطِيَها شيئاً. فَيُحمل المنعُ المذكور على النَّدْبِ، أي يُنْدَبُ تقديم شيء إدخالاً للمَسَرَّةِ عليها، تَأَلُّفاً لقلبها.

وإذا كان ذلك معهوداً، وَجَبَ حَمْلُ ما خالف ما روينا عليه، جمعاً بين الأحاديث وكذا يُحْمَلُ أمْرُهُ بالتماس خَاتَمٍ من حديد، على أنه تقديمُ شيء تَأَلُّفاً، ألا ترى أنه أَمَرَ ذلك الرجلَ بالتماس ما في اليد والصَّدَاقُ يمكن إثباته في الذِّمَّة، فعرفنا أنّ المراد ما يُعَجَّلُ لها باليد، ولَمَّا عَجِزَ قال: «قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشرين آيةً. وهي امْرَأَتُكَ». رواه أبو داود. وهو محمل رواية: «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ القرآن» (٢) . فإنه لا يُنَافيه، وبه تجتمعُ الرواية. (هكذا أجاب بعض المحققين) (٣) . والله تعالى أعلم بحقيقة الحالات.

(فَتَجِبُ العَشَرَةُ) استحساناً (إنْ سَمَّى دُونَهَا) أي أقلَّ منها عيناً أو قيمةً، كثوب يساوي خمسةً، إن دخل بها أو مات عنها، وأمّا إن طلَّقها قبل الدخول، فلها خمسةٌ. وقال زُفَر: يجب مهرُ المِثل إن دخل بها، والمُتْعَةُ (٤) إن طَلَّقَهَا قبله، وهو القياس، لأن المسمَّى لَمَّا لم يَصِحّ صَدَاقاً شرعاً صار النكاح كالخالي عن التسمية، وفي الخالي عنها يجب مهر المثل، أو بمنزلة ما لو سمى خَمْراً أو خنزيراً.

وأُجيب بأن وجوب العشرة في تسميةِ دُونِها لِحَقِّ الشَّرْعِ، وقد وُجِدَ ما يَدُلُّ على رضا المرأة بها، وهو رضاها بدونها، بخلاف الخالي عن التسمية.

(وإن سَمَّى غَيْرَهُ) أي غير دون عشرة دراهم، وهو عشرة دراهم أو أكثر منها.


(١) أخرجه أبو داود في سننه ٢/ ٥٩٦ - ٥٩٧، كتاب النكاح (١٢)، باب في الرجل يدخل بامرأته … (٣٤، ٣٥)، رقم (٢١٢٦).
(٢) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٩/ ١٩٠ - ١٩١، كتاب النكاح (٦٧)، باب السلطان ولي … (٤٠)، رقم (٥١٣٥).
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.
(٤) مُتْعَةُ الطلاق: سيأتي شرحها عند المصنف ص ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>