للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقُرْعَةُ أوْلَى: ويَصِحُّ تَرْكُ القَسْمِ ويَصِحُّ الرُّجُوعُ.

===

عند عائشة فَعَلْتُنَّ» فأذِنَّ له.

(والقُرْعَةُ أوْلَى) تَطْيِيباً لقلوبِهِنَّ وقال مالك والشافعيّ: واجبة، لِمَا روى الجماعة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيَّتُهُنَّ خرج سهمها، خرج بها.

ولنا: أن القسم في الحَضَرِ لم يكن واجباً عليه صلى الله عليه وسلم فضلاً عن السفر، وإنما كان يقسم تَفَضُّلاً عليهنَّ وتطييباً لقلوبهنَّ، لِمَا في الصحيحين عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم كان يَقْسِمُ لثمانٍ ولا يَقْسم لواحدةٍ. قال عطاء: هي صفية بنت حُيَيْ بن أَخْطَب، ولقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} (١) وكان من يؤوي: عائشةَ، وأمَّ سَلَمَةَ، وزيْنَبَ، وحَفْصَةَ. ومن يُرْجي: سَوْدَةَ، وجُوَيْرِيَةَ، وأمَّ حَبِيبَةَ، وصَفِيَةَ، ومَيْمُونَةَ. ذكره المُنْذِري.

(ويَصِحُّ) للمرأة (تَرْكُ القَسْمِ) بأن تهب يومها لصاحبتها، لأن القَسْمَ حقها ولها تركه، ولما في الصحيحين عن عائشة قالت: ما رأيت امرأةً أحبّ إليّ أن أكون في مِسْلاخِها (٢) من سَوْدَةَ بنت زَمْعَة، من امرأة (٣) فيها حِدَّة، فلمَّا كَبِرَت قالت: يا رسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة. وكان صلى الله عليه وسلم يَقْسِم لعائشة يومين: يومها، ويوم سَوْدَة. وفي «سنن البَيْهَقِيّ» عن هِشَام بن عُرْوَة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طَلَّق سَوْدَة، فَلَمَّا خرج إلى الصلاة أمسكت بثوبه وقالت: والله مالي في الرِّجال من حاجة، ولكن أُرِيدُ أن أُحْشَرَ في أزواجك. قال: فراجَعَها، وجعل يومها لعائشة.

(ويَصِحُّ) للمرأة (الرُّجُوعُ) فيم وهبت من قسمها، لأنها أسقطت حقّاً (٤) لم يجب بعد فلا يكون مُلْزِماً، كالعَارِيَّة يرجع فيها المُعِيرُ متى شاء. ولو أقام رجلٌ عند إحدى امرأتيه شهراً ـ ولو في غير سفرٍ ـ ليس للأخرى مطالبته أنْ يُقِيمَ عندها شهراً. لأن القَسْمَ لا يصير ديناً في الذِّمَّة، ولكنه يأثم فيؤمر باستقبال العدل بينهما. ولو عاد إلى الجَوْر بعد نَهْي القاضي عزَّرَهُ. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصَّواب.


(١) سورة الأحزاب، الآية: (٥١).
(٢) في المطبوع: مسلاحها، والمثبت من المخطوط، وهو الصواب لموافقته لما في صحيح مسلم ٢/ ١٠٨٥، كتاب الرضاع (١٧)، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (١٤)، رقم (٤٧ - ١٤٦٣).
والمِسْلَاخ هو الجلد. المعجم الوسيط ص ٤٤٢، مادة (سلخ). والمعنى: أن أكون أنا هي.
(٣) من امرأة: "من" هنا للبيان واستفتاح الكلام.
(٤) حرّفت في المطبوع إلى: حقه، وفي المخطوط إلى: حقها. والصواب ما أثبتناه من "الهداية" المطبوع مع "فتح القدير" ٣/ ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>