للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ كَانَ سَكْرَانَ

===

وشَمِل قول المصنف: «من مكلف» الأخرس إذا أشار بالطَّلاق، لأن إشارته قائمةٌ مقام العبارة، ويَعُمُّ المُكْرَهَ أيضاً، وهو قول ابن عمر، والشَّعْبِيّ، والنَّخَعِيّ، والزُّهْرِيّ، وقَتَادَة، وأبي قِلَابَة، وسعيد بن جُبَيْر، وابن المُسَيَّب، وشُرَيْح، لِمَا روى محمد بن الحسن بسنده، والعُقَيْلِيّ في كتابه (١) من حديث الغازي بن جَبَلة، عن صَفْوَان بن عمْرَان الطَّائِيّ: أن رجلاً كان نائماً. فقامت امرأته فأخذت سكيناً فجلست على صدره فوضعت السكين على حلقه وقالت: لَتُطَلِّقَنِّي أو لأذْبَحَنَّكَ. فناشدها الله، فأبت فطلَّقها ثلاثاً. فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: «لا قَيْلُولَة في الطَّلاقِ» أي لا إقالة.

ورواه أيضاً عن صفْوَان الأصَمّ الطَّائيّ، عن رجل من الصحابة: أن رجلاً كان نائماً … الحديث. إلاّ أن أبا حاتم، والثَّوْريّ جعل الغازي منكر الحديث في طلاق المكره. قلنا: يتأيد بحديث حُذَيْفَة وابنه حين حَلَّفَهُمَا المشركون، فقال صلى الله عليه وسلم «نَفِي لهم بعهدهم، ونستعينُ اللَّهَ عليهم» (٢) . فبيَّن أن اليمين طوعاً وكَرْهاً سواء.

فعُلِمَ أن لا تأثير للإكراه في نفي الحكم المتعلِّق بمجرد اللفظ عن اختيار بخلاف البيع، لأن حكمه يتعلق باللفظ، أو ما يقوم مقامه مع الرِّضى، وهو منتفٍ بالإكراه. ورُوِيَ أيضاً عن عمر: أربعٌ مُبْرَمَاتٌ (٣) مُقْفَلَاتٌ ليس فيهنَّ ردّ يدٍ: أي النِّكاح، والطَّلاق، والعَتَاق، والصَّدقة. وقال مالك والشافعيّ وأحمد: لا يقع طلاق المُكْرَه، وهو مرويّ عن عمر، وابنه، وعليّ، وابن عباس، والزُّبَيْر، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والضَّحَّاك، وعطاء لِمَا روى ابن حِبّان، وابن ماجه، والحاكم ـ وقال: على شرط الشيخين ـ من حديث ابن عباس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رُفِعَ عن أمتي الخطأ، والنِّسيان، وما أُسْتُكْرِهُوا عليه». وأُجِيبَ بأنْ المراد به إمَّا حكم الدُّنيا، وإما حكم العُقْبَى، والإجماع على أن المراد حكم الآخرة من المؤاخذة، فلا يراد الآخر معه.

(وَلَوْ كَانَ) المُكَلَّفُ (سَكْرَانَ) بخمرٍ أو نبيذٍ بخلاف بَنْجٍ وأفيونٍ ودواءٍ ولبن الرِمَاك وهي بالكسر: أنثى من الخيل، وبه قال مالك، والثَّوْرِيّ، والأوزَاعِيّ، والشافعيّ، وكذا رُوي عن سعيد بن المُسَيَّب، وعطاء، والحسن، والنَّخَعِيّ، وابن سيرين، ومُجَاهِد، والشَّعْبِيّ، والزُّهرِيّ، وعمر بن عبد العزيز، وسُلَيْمَان بن يَسَار. وروى عنهم ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه». وقد أجاز عمر طلاق السَّكْران بشهادة نِسْوة. وأخرج ابن


(١) وهو كتاب "الضُّعفاء".
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٧/ ٣٤١، كتاب الخلع والطلاق، باب صريح ألفاظ الطلاق.
(٣) مُبْرَمَات: أبرم الأمر: أحكمه. المعجم الوسيط ص ٥٢، مادة (برم). وهي في المخطوط: مبهمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>