للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوْ عَبْدًا، لا مِنْ سَيِّدِهِ وَنَائِم ٍ

===

أبي شَيْبَة عن عُثْمَان: أنه كان لا يُجِيزُ طلاق السَّكْرانِ. ورُوِيَ عن ابن عباس، وبه قال القاسم بن محمد، وطاوُس، وربيعة بن عبد الرحمن، واللّيث، وأبو ثَوْر، وإسحاق بن رَاهُويَه، وزُفَر، وهو مختار الكَرْخِيّ، والطَّحَاوِيّ، ومحمد بن سَلَمة، وهو أحد قوليْ الشافعيّ، ومختار المُزَنِيّ، وتوقَّف أحمد بن حنبل، فللمانعين لهم: أنّ السَّكْران ليس له قصدٌ صحيحٌ، فلا يقع طلاقه كالصبيِّ والمجنون.

ولنا: ما روى الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلُّ طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه المغلوب على عقله» (١) . وقال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عَجْلان، وهو ضعيف ذاهب الحديث. ولا يخفى أنّ كونه ضعيفاً عنده لا يستلزم ضعفه عند غيره، بل يَعْتَضِدُ به. ولأنّ السَّكران مكلف لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وأَنْتُمْ سُكَارَى} (٢) ولهذا يجب عليه القِصَاص، وحدّ القذف.

وطلاق المُكَلَّف واقعٌ، والرِّدَّة مبنيةٌ على الاعتقاد، فلم تصح من السَّكران لعدم الاعتقاد منه. ولو أُكْرِه على شرب الخمر فقيل: لا يقع طلاقه، لأنه ليس بمعصية، فصار كالإغماء. وقيل: يقع لأنّ السُّكر حصل بفعل محظور في الأصل، وهو الأصحّ. وقال بعض المحققين: الأوَّل حسنٌ، وهو مختار فخر الإسلام وكثير من مشايخنا، وهو قول مالك والشافعيّ.

(أوْ) كان (عَبْداً، لَا مِنْ سَيِّدِهِ) أي لا يقع الطَّلاق على العبد من سيده لِمَا روى ابن ماجه في «سننه» من طريق ابنِ لَهِيعَة، والدَّارَقُطْنِيِّ من غيره. عن ابن عباس قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله سيدي زوَّجني بأمته، وهو يريد أنْ يُفَرِّقَ بيني وبينها، فصعد النبيّ صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ فقال: «يا أيها النَّاس، ما بال أحدكم يزوِّج عبده من أمته، ثم يريد أن يفرِّق بينهما، إنَّما الطَّلاقُ لمن أخذ بالسَّاق».

(وَ) الطَّلاق من (نَائِمٍ) لأنه لا اختيار له أصلاً فصار كالمجنون. وفي «الخُلَاصَة»: عن الإمام خَواهرْ زَادَه: النائم إذا طلَّق امرأته في المنام فلمّا استيقظ قال لامرأته: طلَّقتك في النوم لا يقع. أي لأنه إخبار لم يقصد به الإنشاء. وكذا


(١) نُصَّ في المخطوط على أن أبا داود قد روى الحديث. وهو خطأ، حيث لم يُخَرِّج هذا الحديث أحد من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي، كما ذكره أحمد محمد شاكر في تحقيق سنن الترمذي ٣/ ٤٩٦، كتاب الطلاق (١١)، باب ما جاء في طلاق المعتوه (١٥)، رقم (١١٩١).
(٢) سورة النساء، الآية: (٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>