للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتَقَعُ بِهِ رَجْعِيَّةً أبَدًا. وَإنْ ذَكَرَ المَصْدَرَ فَثَلاثٌ إنْ نَوَاهَا، وإلّا فَرَجْعِيَّة.

===

بإجماع الفقهاء إلاّ داود. فلو نوى بشيءٍ من ذلك الطَّلاق عن القيد لا يُصَدّقُ قضاءً، لأنه خلاف الظّاهر، ويُصَدّقُ ديانةً لاحتمال كلامه ذلك.

(وتَقَعُ بِهِ) أي بالصّريح واحدة (رَجْعِيَّةً أبَدَاً) سواء لم ينوِ شيئاً أو نوى واحدةً بائنةً، أو أكثر.

أمّا وقوع الرَّجْعَةِ بالصَّريح فلقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرْتَانِ فإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسَانٍ} (١) فأثبت الرَّجْعَةَ بعد الطَّلاق الصَّريح. وأمّا عدم احتماله نيّة الثِّنْتَيْنِ والثَّلاث، فلأنه صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر أنْ يراجع امرأته، ولم يستفسره أنه نوى الثَّلاث أم لا، ولو كان الصّريح يحتمل النِّيَّة لاستفسره.

وقال مالك والشافعيّ وزُفَر: يحتمل الصَّريح النِّيَّة لأنه أقوى من الكِتَابَة، وهي تحتملها فكذا هو، ـ وهو قول أبي حنيفة الأوَّل ـ، لأنه إذا صَحَّ نيّة الثَّلاث في قوله: أنتِ بائنٌ، فلأن يصح في قوله: أنتِ طَالِقٌ أوْلَى.

ولنا أنّه نوى ما لا يحتمله لفظه، فلا يُعْمَل بنيّته فتُلْغَى، لأنه قصد باللفظ تجيز ما علَّقه الشَّرْع (بانقضاء العدة) (٢) عند وجوده بقوله تعالى: {إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (٣) ، والإجماع على ذلك، فيردّ عليه قصده لاستعجاله ما أخّره الشَّرْع.

(وَإنْ ذَكَرَ المَصْدَرَ) بأن قال: أنتِ الطَّلاق، أو أنتِ طالقٌ الطَّلاق، أو أنتِ طالقٌ طلاقاً أَوْ أَنت طلاقٌ، خلافاً للطَّحاوي في هذه المسألة من حيثُ العددُ (فَثَلَاثٌ) للحرَّة (إنْ نَوَاهَا وإلاّ) أي وإن لم ينوِ الثَّلاث سواء لم ينوِ شيئاً أو نوى ثنتين (فَرَجْعِيَّة) أمّا وقوع الطَّلاق بالمصدر فلأنه يذكر بمعنى طالقٌ أو ذو طلاق، كعدل بمعنى عادل، أو ذو عدل، أو مبالغة كرجل عدل.

وأما صحة نية الثّلاث للحرّة دون الثنتين فلأنّ المصدر جنسٌ يقع على الواحد ويحتمل الكل، فإذا لم ينو شيئاً حُمِلَ على المتيقن منه، وهو الواحد الحقيقي، وإنْ نوى الثَّلاث صحَّت النِّية لأنها كل الطَّلاق، وهو واحد اعتباري، وإن نوى الثنتين لا يصح، لأنه عدد ليس بواحدٍ حقيقي ولا اعتباري إلاّ إذا كانت الزَّوجة أَمَةً، لأن الثنتين كل الطَّلاق في حقها كالثَّلاث في الحرّة. ولا يبعد أن يعتبر الثَّلاث، ويكون الثالث في


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٢٩).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٣) سورة البقرة، الآية: (٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>