ابن ماجه من حديث ابن عمر، والحاكم من حديث ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وكذا الدَّارَقُطْنِيّ، وقال الترمذي: حديث غريب والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم. ووجه غرابته قوله: لا نعرفه مرفوعاً إلاّ من حديث مُظَاهِر بن أَسْلَم، ولا نعرف له في العلم غير هذا الحديث.
قلنا: أخرج له ابن عديّ في «الكامل» حديثاً آخر رواه عن المَقْبُرِيّ، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات في كل ليلة من آخر آل عمران.
فإن قيل: قد ضعَّفه ابن مَعين، وأبو حاتم، والبُخَارِيّ. قلنا: قد وثَّقه ابن حِبَّان، وأخرج الحاكم حديثه هذا عن القاسم، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «طلاق الأمة ثنتان، وقرؤها حيضتان». ثم قال: مُظَاهِر بن أَسْلَم شيخٌ من أهل البَصْرَة لم يذكره أحدٌ من متقدمي مشايخنا بجرحٍ. فإذاً الحديث صحيح، ولم يخرجاه. ومما يصححه أيضاً عمل العلماء على وَفْقِه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
وفي «سنن الدَّارَقُطْنِيّ»: قال القاسم: عَمِل بها المسلمون، وهذا إجماعٌ. وقال مالك: شهرة الحديث بالمدينة تُغْنِي صحة سنده، كذا ذكره الزَّيْلَعِيّ في «شرح الكَنْز». فإن قيل: المراد بالحديث الأمة التي تحت العبد. أُجِيبَ عدّة الأمة لا تختلف بالحرّ والعبد؛ فالتقييد في حقّ الطَّلاق يوجب التقييد في حقّ العدّة، ولم يقل به أحدٌ فكان باطلاً. وأمّا ما روى الشافعيّ عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عن محمد بن عبد الرَّحمن ـ مولى أبي طلحة ـ عن سليمان بن يَسَار، عن عبد الله بن عُيَيْنَة، عن عمر قال: ينكح العبد امرأتين ويطلِّق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين. فليس من أدلتنا كما توهّمه الشارح على ما لا يخفى. نعم، في قوله: وتعتدّ الأمة حيضتين استدلالٌ لنا.
وبيانه ما أفحم به عيسى بن أبَان بن صَدَقة الشافعيّ فقال: أيها الفقيه إذا ملك الحرّ على الأمة ثلاث تطليقات كيف يطلِّقها للسُّنَّة؟ فقال: يوقع عليها واحدةً، فإذا حاضت وطَهُرَت أوقع أخرى، فلمَّا أراد أن يقول: فإذا حاضت وطَهُرَت، قال: أمسِك حَسْبُك، فإنّ عدّتها قد انقضت بالحيضتين، فلمَّا تحيّر رجع فقال: ليس في الجمع بِدْعَة ولا في التَّفريق سُنَّة.
(وصَرِيحُهُ) أي صريح الطَّلاق (مَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِثْلُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ) بتشديد اللاّم المفتوحة (وطَلَّقْتُكِ) ولا يحتاج إلى نيّة الطَّلاق عن النِّكاح