للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنْتِ طَالِقٌ في مَكّةَ تَنْجِيزٌ، وفي دُخُولِكِ مَكَّةَ تَعْلِيقٌ.

===

فكذا ههنا. ولهما: أنّ مثل هذا الكلام يراد به الكل، نحو: خذ من مالي من درهم إلى مئةٍ. ولأبي حنيفة: أنه يُرَاد به الأكثر من الأقل، والأقل من الأكثر. يعني أنه متجاوز عن الأقل، ولم يصل إلى الأكثر نحو: سنِّي من ستين إلى سبعين، أو ما بين ستين إلى سبعين. ورُوِيَ أنّ أبا حنيفة رَضِيَ الله تعالى عنه قال لزُفَر: كم سنّك؟ فقال: سنِّي ما بين ستين إلى سبعين. قال: فأنت إذاً ابن تسعٍ فتحَيَّر (١) .

فلو قال: أنتِ طالقٌ من واحدة إلى ثنتين، أو ما بين واحدة إلى ثنتين، يقع واحدةٌ عند أبي حنيفة، وثنتان عندهما، ولا يقع شيءٌ عند زُفَر. ولو قال: من واحدةٍ، أو ما بين واحدةٍ إلى ثلاث، يقع ثنتان عند أبي حنيفة ـ وإن نوى واحدة صُدِّق ديانة لا قضاء ـ وثلاثٌ عندهما، وواحدةٌ عند زُفَر.

(وأنْتِ طَالِقٌ في مَكَّةَ) أو بمكة، أو في الدَّار، وإن لم يكن في مكة ولا الدَّار، وكذا في الشَّمس والظلّ، وفي ثوب كذا، وكذا إِذا قال: أنتِ طالقٌ مريضة (تَنْجِيزٌ) أي تطليقٌ في الحال، لأنّ الطّلاق لا اختصاص له بمكانٍ أو ظرفٍ أو وصفٍ دون آخر، لأن المطلّقة في مكانٍ أو ظرفٍ أو وصفٍ مطلّقة في غيره. ولو قال: أردت في دخولك مكة مثلاً، صدق ديانةً لا قضاءً.

ومعنى قولهم صُدِّق ديانةً: أنه لو استَفتى المفتي يُفْتَى على وَفْق ما نوى. ومعنى قولهم: لا يصدق قضاء: أنه لو رُفِعَ إلى القاضي يَحْكُمُ عليه بظاهر كلامه ولا يعلتفت إلى ما نوى لمكان التّهمة.

(وفي دُخُولِكِ مَكَّةَ) كما إذا دخلت مكة، وفي لُبْسِك ثوباً كذا، أو في مرضك أو في صلاتك (تَعْلِيقٌ) فلا تطلق حتى يوجد ذلك الفعل. لأنّ كلمة «في» تدخل على الظَّرف، والفعل هنا ـ وهو الطَّلاق ـ غير صالح للظرفية، فيحمل على المصاحبة كما في قوله تعالى: {فادْخُلِي في عِبَادِي} (٢) ، أو على معنى الشّرط مجازاً لمناسبة بينهما، وهي أنّ الظَّرف سابقٌ على المظروف، كما أنّ الشرط سابقٌ على المشروط. ولو قال: أنتِ طالقٌ إلى الشّتاء، أو إلى رأس الشهر، يقع في الحال عند أبي يوسف، وفي انتهاء الشّتاء أو الشهر عندهما. وإنْ نوى التنجيز يقع في الحال اتفاقاً.


(١) في المطبوع: فعجز، والمثبت من المخطوط و "شرح العناية على الهداية" ٣/ ٣٦٣، المطبوع على هامش "فتح القدير.
(٢) سورة الفجر، الآية: (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>