للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ هُوَ في صَفِّ القِتَالِ، أوْ حُمَّ، أوْ حُبِسَ لِقَتْلٍ صَحِيحٌ

===

كان محصوراً في حصن لا يكون فاراً.

وعن عائشة: أنّ امرأة الفَارِّ ترث منه ما دامت في العدّة. وعن أبيّ بن كعب: أنها ترث ما لم تتزوّج. وقال ابن سِيرِين: كانوا يقولون ولا يختلفون: من فرّ من كتاب الله رُدّ إليه. يعني هذا الحكم يردّ عليه قصده. ولم يُنْقَلْ عن صحابيّ خلافه، وبه قال النَّخَعِي، والشَّعْبِيّ، وسعيد بن المُسَيَّب، وابن سيرين، وعُرْوَة، وشُرَيْح، وطَاوُس، والثَّوْرِيّ، وابن شُبْرُمة، وحمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، وبمثله يُتْرَك القياس. وابن عوف لم ينكر التوريث حتى رُوِي عن عثمان (أنه) (١) عادَهُ فقال: لو مُتَّ ورّثتها منك، فقال: أنا أعلم ذلك، ما طلّقتها فراراً ولا ضِراراً.

وقال ابن أبي ليلى: إنّ عدّتها في حقّ الميراث لا تنقضي حتى إنّ لها الميراث ما لم تتزوّج، فإذا تزوّجت فهي التي رضيت بسقوط حقّها، ولها ذلك كما لو سألته في الابتداء. ولكنّا نقول لَمّا انقضت عدّتها حلّ لها أن تتزوّج، وذلك دليلٌ حكميّ منافٍ للنِّكاح الأوّل، فلا يبقى معه النِّكاح حكماً كما لو تزوّجت. وعلماؤنا شرطوا بقاء عدّتها لإرثها منه، ونفاه مالك وورّثها منه وإن تزوّجت، لإطلاق: مَنْ فرّ مِنْ كتاب الله رُدَّ إليه. قلنا: المرأة الواحدة لا ترث من زوجين بحكم النِّكاح، وما قال (٢) يؤدي إليه.

ويجعل أبو يوسف العدّة بالأَقراء، لأنّ النِّكاح قد انقطع بالطّلاق قبل الموت، فلزمها أن تعتدّ بثلاث حِيَضٍ، وإبقاء النّكاح في حق الإرث أمرٌ حكميٌّ، فلا يظهر في حقّ تغيير العدّة. وأبو حنيفة ومحمد قدّراها بأبعد الأجلين، لأن نكاحها لها إذا بَقِيَ في حقّ الإرث، فبقاؤه في حقّ العدّة أوْلى لأنها أسرع ثبوتاً منه، ولهذا وجبت دونه في النِّكاح الفاسد.

(وَمَنْ هُوَ في صَفِّ القِتَالِ أوْ حُمَّ) أي حصل له حُمًّى لم يَعْجِز معها مِنْ إقامة مصالحه خارج البيت. فمَنْ مبتدأ، وحُمّ عطفٌ على هو في صفّ القتال، وكذا قوله: (أوْ حُبِسَ لِقَتْلٍ) في حدَ، أو قصاصٍ، أو نزل في مَسْبَعَةٍ ـ وهي أرضٌ كثيرة السَّبُع ـ أو في مخيفٍ من عدوٍ، أو حُصِرَ في حصنٍ أو دارٍ (صَحِيحٌ) خبر المبتدأ، والمراد به


(١) ما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها السياق.
(٢) أي الإمام مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>