للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

بحرف التعقيب، وعندنا الفيء في المدّة لقراءة ابن مسعود: فإنْ فَاؤُا فِيهِنَّ، وقراءته لا تتخلّف فيها عن سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم والتقسيم في قوله تعالى: {وإنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} دليلٌ أيضاً على أن الفيء في المدّة، وعزيمة الطَّلاق بعدها، كما في قوله تعالى: {فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أو سَرِحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (١) والإمساك بالمعروف بالمراجعة في العدّة، والتّسريح بالإحسان بتركها حتى يتبين بمُضِيّ العدّة.

ثم عندهم لا يقع إلاّ بتفريق القاضي بينهما، أو بإيقاع الزّوج الطّلاق، لأن الله تعالى قال: {فإنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فإنّ اسَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَهو إشارةٌ إلى أنّ عزيمة الطّلاق بما هو مسموعٌ، وذلك بأحدهما.

ولنا أنّه تعالى ذكر عزيمة الطّلاق بعد ذكر المدّة، وهو إشارةٌ إلى أنَّ ترك الفيء في المدّة عزيمة الطّلاق عند مُضِيّها. وقد رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عزيمة الطَّلاق مُضِيّ أربعة أشهر» (٢) . وقد أضافه إلى الزّوج، فدلّ أنّ الطّلاق يتمّ به من غير حاجةٍ إلى قضاء القاضي. ومعنى قوله تعالى: {فإنّ اسَمِيعٌ عَلِيمٌ} لإيلائه عليمٌ بقصد إضراره. وما رواه عبد الرّزّاق في «مصنفه»: حدثنا مَعْمَرُ عن عطاء الخُرَاسَانِيّ، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرّحمن أنّ عثمان بن عفّان وزيد بن ثابت كانا يقولان في الإيلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقةٌ واحدةٌ، وهي أحقُّ بنفسها، وتعتدّ عدّة المطلّقة. قال: وأَخبرنا مَعْمَرُ، عن قَتَادة: أنّ علياً، وابن عبّاس قالوا: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقةٌ، وهي أحقُّ بنفسها، وتعتدّ عدّة المطلّقة.

وأخرج نحوه عن عطاء، وجابر بن زيد، وعِكْرِمَة، وابن المُسَيَّب، وأبي بكر بن عبد الرّحمن، ومَكحُول. وروى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن ابن عبّاس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفء حتّى إذا مضت أربعة أشهرٍ، فهي تطليقةٌ بائنةٌ.

وأخرج نحوه ابن الحنفيّة، والشَّعْبِي، والنَّخَعِيّ، ومسروق، والحسن، وابن سِيرين، وقَبِيصَة، وسالم، وأبي سَلَمة.

والحاصل: أَنّ ما رويناه فهو عن الأكابر منهم والفقهاء فيهم، فيكون أرجح وأولى ويسمع الكل لقوله صلى الله عليه وسلم «أصحابي كالنُّجوم بأَيِّهم اقتديتم اهتديتم» (٣) .


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٣١).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٧/ ٣٧٩، كتاب الإيلاء، باب من قال: عزم الطلاق ....
(٣) تقدم تخريجه في مقدِّمة الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>