للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ قَذَفَ بِالزِّنَا زَوْجَتَهُ العَفِيفَةَ،

===

الغضب في جانب المرأة، قائمةٌ مقامَ حدّ القذف في حقه، ومقامَ حدّ الزنا في حقّها.

وقال مالك والشُّافعيّ: إنّه أيْمان مؤكدةٌ بالشهادة، واحتجا بقوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِالله} (١) ، فقوله: {با} مُحْكَمٌ في اليمين، والشهادة تحتمل اليمين، فإنه لو قال: أشهد، كان يميناً، فَحَمَلا المُحْتَمِلَ على المُحْكَم.

ولَنَا قوله صلى الله عليه وسلم «أربعةٌ من النِّساء لا ملاعنة بينهم: النّصرانيةُ تحت المسلم، واليهودية تحت المسلم، والمملوكة تحت الحُرّ، والحُرَّة تحت المملوك». رواه ابن ماجه والدَّارَقُطْنِيّ من حديث عمرو بن شُعَيْب. ووقفه الأوْزَاعِيّ وابن جُرَيْج على جدّ عمرو بن شُعَيْب.

وقال محمد بن الحسن: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا لعان بين أهل الكفر وأهل الإسلام، ولا بين العبد وامرأته». فهذا نصٌ على اشتراط أهليّة الشَّهادة فيهما. وفي الآية إشارة إلى هذا فإنّه تعالى قال: {وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ} (٢) استثنى أنفسهم عن الشهداء فثبت أن الزّوج شاهدٌ لأنّ المستثنى يكون من جنس المستثنى منه، ثم نصّ على شهادته فقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهَادَاتٍ با} فنصّ على الشّهادة واليمين.

فقلنا: الرّكن هو الشّهادة المؤكدة باليمين. ولأنّ الحاجة هنا إلى إيجاب الحكم في الطرفين، والذي يصلح لإيجاب الحكم فيهما هو الشهادة دون اليمين، إلاّ أنها مؤكدةٌ باليمين لأنه يشهد لنفسه، والتأكيد باليمين لا تخرجه عن أنْ يكون شهادةً. فقرّر الشّارع الرُّكن في جانبه باللّعن لو كان كاذباً، وبالغضب في جانبها لو كانت كاذبةً. لأنّ الصّادق أحدهما، والقاضي لا يعلم ذلك، فكان اللّعن في جانبه قائماً مقام حدّ القذف، وفي جانبها صار الغضب قائماً مقام حدّ الزنا. وسُمِّيَ الكل لعاناً لِشَرْع اللعن فيها، كالصلاة تُسَمَّى ركوعاً وسجوداً لشرعيتهما فيها أو للتغليب كالعُمَرين، والقمَرين، واللعن من جانب الرّجل وهو مقدّمٌ فيه.

(مَنْ قَذَفَ) أي رمى (بِالزِّنَا) صريحاً (زَوْجَتَهُ) بأنْ قال لها: رأيتك تزنين، أو أنت زانيةٌ، أو يا زانية (العَفِيفَةَ) عن الزِّنا وهي التي لا تكون زانيةً ولا متهمةً بزنىً كمن


(١) سورة النور، الآية: (٦).
(٢) سورة النور، الآية: (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>