للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الأَصَحِّ. ولا يفرَّقُ بينهما لعجْزِهِ عنها، وتُؤمَرُ بالاستِدَانةِ عليه،

===

أبي حنيفة. وقوله: (في الأصح): احترز به عن قول محمد: إنه تجب عليه نفقة خادمها إذا لم تكتف بخدمة نفسها، كما لو كان موسراً. ووجه الأول: أن استعمال الخادم لزيادة التنعم (١)

، فيعتبر في حال اليسار دون الإعسار، ولأن المُعسر يلزمه أدنى الكفاية، والمرأة قد تكتفي بخدمة نفسها كذا قرر الشُّرَّاح. وفيه: أن رواية محمدٍ محمولةٌ على ما إذا لم تكتف بخدمة نفسها، ورواية غيره محمولة على ما إذا كانت تكتفي بخدمة نفسها، فلا تعارض.

(ولا يفرَّقُ بينهما لعجْزِهِ عنها) أي عن النفقة الراتبة والكِسوة (وتُؤمر) المرأة (بالاستدانة عليه) أي على الزوج، بأن تأخذ الطعام على أن تقضي ثمنَه من مال الزوج. وفائدة هذا الأمر ـ مع فَرْض القاضي لها النفقة ـ أن يمكِّنَها أنْ تُحيل ربَ الدين على الزوج، وأنّ ترجع بالدَّيْن على تركته إن مات، وهذا عندنا، وهو قول عطاء بن يَسَار، والحسن البصري، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شُبْرُمة، وحمَّاد بن سليمان، والظاهرية.

وأجاز التفريق مالك والشافعي وأحمد إذا طَلبَتْه، لقوله تعالى: {فإمسَاكٌ بمعروفٍ أو تَسْرِيحٌ بإحسَانٍ} (٢) والإمساك بالمعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة، فإذا عَجَزَ عن ذلك تعين التَّسْريح، إذ المستحِقُّ عليه أحد الأمرين، فإذا تعذر أحدهما تعيَّن الآخر. ألا ترى أنه إذا عَجَزَ عن الوصول إليها بسبب الجَبِّ (٣) أو العُنَّةِ (٤) ، يفرّقُ بينهما لفوات الإمساك بالمعروف بل أولى، لأن حاجتها إلى النفقة أظهرُ من حاجتها إلى قضاء الشهوة، وهذا كنفقة العبد والأمة فإنها مُستحقَّة عليه بالملك، فإذا تعذرت أجبره القاضي على إزالة المِلك بالبيع. وقيل لسعيد بن المسيَّب: أتفرق بين العاجز عن النفقة وبين امرأته، فقال: نعم، فقيل له: إنه سنةٌ، فقال: نعم. والسُّنَّة إذا أُطلقت يُفهم منها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مذهب مالك: يُفرَّق بينهما بالطلاق. ومذهب الشافعي وأحمد: يفرق بفسخ.

ولنا قوله تعالى: {وإنْ كان ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرةٍ} (٥) . وهو مُطْلق في كل


(١) عبارة المطبوع: "أن استعماله لزيادة … " والمثبت من المخطوطة.
(٢) سورة البقرة، آية: (٢٢٩).
(٣) المجبوب: مقطوع الذَّكَر. معجم لغة الفقهاء ص ٤٠٥.
(٤) العُنَّة: مصدر عُنَّ الرجل عُنَّةً: عَجِز عن الجماع لمرض يصيبه. معجم لغة الفقهاء ص ٣٢٣.
(٥) سورة البقرة، آية: (٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>