للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

استطالت على أحْمَائها، وكَثُر الشر بينهم، فأخرجها عليه الصلاة والسلام لذلك. ويقوي ثبوته عن عائشة احتجاج ابن المسيَّب به، وهو معاصر لها، وأعظم متتبِعٍ لأقوال من عاصره من الصحابة حفظاً ودراية على ما في أبي داود من حديث ميمون بن مِهْران قال: قدِمتُ المدينة فَدُفِعت إلى سعيد بن المسيَّب، فقلت: فاطمة بنت قيس طُلِّقت، فخرجت من بيتها؟ فقال: تلك امرأة فَتَنَتِ الناس، كانت لَسِنَةً، فَوُضِعَتْ على يد ابن أم مكتوم.

وهذا هو المناسب لمنصبه، فإنه لم يكن لينسُبَ إلى صحابية ذلك من عند نفسه. وفي الحديث: أن سليمان بن يَسَار قال: خروج فاطمة إنما كان من سُوء الخُلُق. وممن ردّه زوجها أسامة بن زيد حِبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا ذكرت فاطمة شيئاً من ذلك، يعني من انتقالها في عدّتها، رماها بما في يده. رواه عبد الله بن صالح من حديث الليْث بن سعد بسنده. فهذا لم يكن إِلاَّ لعلمه بأنه غلط منها، أو لِعِلْمه بخصوص سببه (١) من اللَّسَنِ أو ضيقِ المكانْ.

وممن رده: زيد بن ثابت، ومروان بن الحكم. ومن التابعين: ابن المسيَّب، وشُرَيْح، والشَّعْبي، والحسن، والأسود بن يزيد، وممن بعدهم: الثوريُّ وأحمد بن حنبل وخلقٌ كثير من بعدهم.

وقال الطحاوي: إن الله تعالى لما بيَّن بقوله: {يَأيها النَّبيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} الآية (٢) ، أن للمطلقة السُّكنى، ونهاها عن الخروج، ونهى الزوج عن إخراجها، من غير تفرقة بين المطلقة للسُنَّة التي لا رَجْعَة عليها، وبين التي عليها الرجعة. وجاءت فاطمة وروت التفرقة بينهما على خلاف ما رُوي عن عمر، وما جاء به الكتاب صحّ احتجاج عمر وبطل حديثها.

فإن قيل: المراد بالآية المطلقة رجعياً لقوله تعالى في آخرها: {فإذا بَلَغْنَ أجَلَهنَّ فأمسِكُوهُنَّ بمعروفٍ أو فارِقُوهنَّ بمعروف} (٣) وهو حكم الرجعة دون البائن. أُجيب بأن صدرَ الآية عام وآخرَها خاص ببعض ما تناوله الصدر، وذلك لا يُبْطِل عمومَه. ونظير ذلك قوله تعالى: {والمُطلَّقاتُ يَتَرَبَصنَّ بأنْفُسِهنَّ ثلاثةَ قُروء} (٤) فإِنه عام في البائن


(١) في المطبوع: "سيئة" بدل "سببه".
(٢) سورة الطلاق، الآية: (١).
(٣) سورة الطلاق، الآية: (٢).
(٤) سورة البقرة، آية: (٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>