للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا مع الفقرِ إلا لها وللفُرُوعِ، ولا للغنِيِّ إلَّا لها.

وباع الأبُ عَرْضَ ابنِهِ لا عَقَارَه لنفقتِهِ،

===

وكان القياسُ في حق الوالدين والولد أنْ لا يثبت استحقاق النفقة مع اختلاف المِلة، لأن استحقاقَها بطريق الصِّلة كنفقة الأقارب، ولكنهم استحسنوا وأوجبوا على الولد المسلم نفقة أبويه الذِّميين، لقوله تعالى: {وصَاحِبْهُما في الدنيا مَعرُوفاً} (١) وليس من المُصاحبةِ بالمعروف أن يتقلب في نِعم الله تعالى ويدعهما يموتان جُوعاً وعُرْياً. والأجداد والجدَّات من قِبَل الأب والأم بمنزلة الأبوين في ذلك، لأن استحقاقَهم باعتبار الوِلاد (٢) ، وبمنزلة استحقاق الأبوين.

(ولا) نفقة تجب (مع الفقر) وفي بعض النُسخ: ولا على الفقير (إلا لها) أي الزوجة. (وللفُرُوعِ) الصغار. وقيل: إذا كان فقيراً زَمِناً أو أعمى، تجب نفقة أولاده في بيت المال كنفقته. (ولا) نفقة تجب (للغني إلا لها) أي للزوجة، لأن نفقتَها جزاءُ احتباسِها، وهو موجود في «الغُنْية».

(وباع الأب) عند أبي حنيفة لنفقتِهِ بقَدْر حاجته (عَرْض ابنه) (٣) الكبير الغائب، لأنه إذا كان حاضراً لايبيع الأب عَرْضه اتفاقاً، وإذا كان صغيراً يبيعه اتفاقاً. والمراد بالعَرْض هنا ما يُنقل (لا عَقَارَه) أي لا يبيع الأب عَقَار ابنه (لنفقتِهِ) متعلق بـ: باع. والقياس أن لا يبيعَ العَرْض أيضاً إذا كان الابن كبيراً، وهو قول أبي يوسف ومحمد، لأن ولاية الأب زالت ببلوغ الابن رشيداً، إلا فيما يبيعُه تحصيناً له، فللوصي وللأب بيع عُرُوض الابن الغائب تحصيناً لماله، وبيعه هنا ليس للتحصين، بل لنفسه وليس له هذه الوِلاية. ألا تَرى أنَّ النفقَةَ لا تكون أوجب من سائر الديون. وليس لأب بيع شيء من مَتَاع ولده في دين له عليه، ولا يقضي القاضي بذلك أيضاً، لأن فيه قضاءً على الغائب، فكذا في النفقة واستحقاق الأم النفقة، كاستحقاق الأب، وهي لا تبيع عُرُوض الولد في نفقتِها فكذا هو.

ولأبي حنيفة ـ وهو وجه الاستحسان ـ أن للوالِدِ أن يتملَّك مال ابنه عند الضرورة، ونفقة نفسه منها. ولأن ولاية التصرُّف وإن زالت بالبلوغ عن عقل، فولاية الحِفْظ ثابتة، لأن ولاية الحفظ تثبت لمن لا يثبت له ولاية التصرف، كالوصي في حقِ


(١) سورة لقمان، الآية: (١٥).
(٢) حرفت في المطبوع إلى: "الولاء".
(٣) الحَرْض: بوزن الفَلْس: المتاع. وكل شيء عَرْضٌ إلا الدراهم والدنانير، فإنها عين. مختار الصحاح ص ١٧٨، مادة (عرض).

<<  <  ج: ص:  >  >>