للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدةٌ سَقَطَت، إلا أنْ يَأذنَ القاضي بالاستدانة.

ونفقةُ المَمْلوكِ على سيِّدهِ، فإن أبى كَسَبَ وأنفَقَ، وإن عَجَزَ عنه أُمِرَ بِبيعِهِ.

===

مدة سقطت) وبه قال الشافعي وأحمد، لأن نفقة هؤلاء لكفاية الحاجة، فتسقط بحصولها، (إلا أن يأذن القاضي) لِمَنْ له النفقة (بالاستدانة) على الغائب واستدان عليه، لأن للقاضي ولايةً عامة، فصار إذنه كإذن الغائب. ولو ضاعت نفقة مُعجَّلة أو كِسْوة لذوي الأرحام، يفرض لهم مرة بعد أخرى، لتحقق حاجتهم، ولو ضاعت نفقة أو كِسوة للزوجة لا تفرض لها نفقة أخرى، لعدم اعتبار الحاجة في حقها، ولهذا تجب النفقة لها مع غناها، وبعكس هذا لو بقيت النفقةُ المفروضة في مدةٍ بعد المُدة، تُفرض للزوجات ولا تفرض لذوي الأرحام. ولو عجّل نفقةَ مدةٍ ثم مات أحدهما قبل المدةِ، يسترد في الزوجات عند محمد دون الأقارب.

(ونفقةُ المملوك) ذكراً كان أو أنثى، مدبَّراً أو أمّ ولد، لا مكاتَباً لالتحاقه بالأحرار (على سيِّدهِ) للإجماع، ولقوله صلى الله عليه وسلم «هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليُطعِمْه مما يأكل، وليُلْبِسه مما يَلْبَس، ولا تُكلِّفُوهم ما يَغْلِبُهم، فإن كلَّفْتُموهُم فأعينُوهم». رواه الشيخان، وزاد أبو داود: «من لم يُلائمكم منهم فَبِيعُوه، ولا تُعذِّبوا خَلْق الله». ولأن نفعَه له، والغُرْمُ بالغُنْم.

(فإن أبى) السيد عن الإنفاق عليه (كَسَبَ) المملوك (وأنفَقَ) على نفسه، نظراً له ببقاءِ نفسِه، ولسيِّده ببقاء مِلكه، (وإن عَجَزَ عنه) أي عن الكسب: بأن كان صغيراً، أو زَمِناً، أو أعمىً، أو جاريةً لا يُؤجر مِثْلُها. (أُمِرَ ببيعه) إن كان قِنًّا، لأن المملوك من أهل الاستحقاق، وفي بيعه إيفاءُ حقِّه بدون إبطال حق المولى، لقيام ثمنه خَلَفاً عنه، بخلاف المدبَّر وأمِّ الولد، حيث يُجبر على الإنفاق عليهما إذا عَجَزا عن الكسب، لأنهما عاجزان ولا يقبلان النقل من ملكه، ومنفعتُهما له فيُجبر على نفقتِهما، وبخلاف سائر الحيوانات حيث لا يُجبر على بيعها، ولا على الإنفاق عليها، لأنها ليست من أهل الاستحقاق. والمَقْضِي له لا بد أن يكون من أهله، ولكنه يُفتى فيما بينه وبين الله تعالى بأن ينفق عليها أو يبيعها، ويكون آثماً معاقباً في جهنم بحبسها عن البيع مع عدم الإنفاق عليها.

ففي الحديث: «امرأة دخلتِ النار في هِرةٍ حبستها حتى ماتت، لا هي أطلقتها فتأكُل من خَشَاش الأرض (١) ، ولا هي أطعمتْها» (٢) . وعن أبي يوسف: أنه يُجبر، وهو


(١) الخَشَاس: الحشرات. مختار الصحاح ص ٧٤، مادة (خشش).
(٢) أخرجه البخاري (فتح الباري) ٦/ ٣٥٦، كتاب بدء الخلق (٥٩)، باب إِذا وقع الذباب في شراب أحدكم (١٦)، رقم (٣٣١٨) بلفظ مختلف قليلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>