ومَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه أو أعتق لوجه الله تعالى، أو للشيطان، أو للصَّنَم، أو مُكْرَهًا، أو سَكْرَان،
===
(ومَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ) أي ذا قرابة (منه) بسبب الرَّحِم. ومَحْرَمٍ صِفةُ ذا، وجَرَّه للجوار، كذا في «شرح الوقاية». ولا فرق في هذا بين كون المالك صبياً أو مجنوناً، أو كون المملوك صغيراً أو كبيراً، مسلماً أو كافراً في دار الإسلام، لإِطْلاقِ قوله عليه الصلاة والسلام:«مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرمٍ منه عَتَقَ عليه». رواه النسائي عن ضَمْرة بن ربيعة الرَّمليّ، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن عمر مرفوعاً، وضَعَّفه بسبب انفراد ضَمْرة به عن سفيان. وصححه عبد الحق وقال: ضَمْرة ثقة، وإذا أسند الحديث ثقة لا يضر انفرادُه، ولا إرسال من أرسله، ولا وَقْف من وقفه. وصوَّب ابن القطان كلامه.
قيد بالرحم لأن المَحْرَم بلا رَحِمٍ كابنه من الرضاع لا يعتِق عليه اتفاقاً، وكذا المَحْرم بطريق المُصاهرة كأم الزوجة وبنتها الربيبة. وقيد بالمَحْرَمِ لأن الرحم بلا محرم كابن عمه لا يعتِق اتفاقاً. وقال الشافعي: لا يعتِق غير قرابةِ الوِلاد لأن العِتق على المِلك ثبت في قرابة الولاد على خلاف القياس لمكان الجُزئية، فلا يُلحق بها ما هو أنزل منها. وقال مالك: يعتق قرابة الوِلاد والإِخوة والأخوات، لأن العتق على المالك من أقوى صلات المملوك، فيختص هذا بأقرب القرابات وهي الوِلادة والأُخوة. وقال الأوزاعي: يعتِقُ كل ذي رحم ولو لم يكن مَحْرماً.
وبمذهبنا قال أحمد، والحسن البصري، وجابر بن زيد، وعطاء، والشَّعبيّ والزهري وحمَّاد، والحَكَم، والثوري، والنَّخَعي، والليث. وروي عن عمر وابن مسعود ولا يُعرف لهما مخالفٌ في الصحابة. والدليل: قوله عليه الصلاة والسلام: «من مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه فهو حر». رواه أحمد، وأبو داود، الترمذي، وابن ماجه، والحاكم في «مستدركه» عن سَمُرَة (١) . وفي «النهاية» لابن الأثير: وبه قال أكثر أَهل العِلْم من الصحابة والتابعين، وإليه ذهبَ أبو حنيفة وأصحابُه وأحمد.
(أو أعتق) عطف على مَلَك (لوجه الله تعالى أو للشيطان أو للصَّنَم) لأن العتق صَدَر من أَهْله في محله، فيعتبر وتلغو تسمية جهته، (أو) أعتق حال كونه (مُكْرَهاً أو سَكْرَان) في الأصح لوجود ركن العِتق من الأهل في المحل، كما في
(١) حرفت في المطبوع إلى "ضمرة"، والتصويب من المخطوط. وسنن أبي داود ٤/ ٢٥٩ - ٢٦٠، كتاب العتق (٢٨)، باب فيمن ملك ذا رحم محرم (٧)، رقم (٣٩٤٩). وسنن الترمذي ٣/ ٦٤٦، كتاب الأحكام (١٣)، باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم (٢٨)، رقم (١٣٦٥).