وإن قال: إن مِتُّ في مرضي هذا، صح بيعُه، وإن وُجد الشرط عَتَقَ، كالمدبَّرِ. وأمةٌ ولدتْ من سيِّدِها فادَّعى، أو مِنْ زوجٍ فَمَلَكَها أُمُّ ولده، وحكمُها كالمُدبَّرَة،
===
يسعى، لأن الدَّين مقدمٌ على التبرع، ولا يمكن نقضُ العِتق حقيقةً، فيجب نقضه معنىً بردِّ قيمته فيسعى في قيمته (وإن قال: إن مِتُّ في مرضي هذا) أو في سفري هذا، أو في هذا الشهر، أو في هذه السنة، أو إلى عشر سنين (صح بيعُه) وما يوجب انتقالَه عن ملك مولاه قبل وجود الشرط، لأن الموتَ على تلك الحالةِ لمّا لم يكن كائناً لا محالَةَ، لم ينعقد السبب للحال، فبقي كسائر التعليقات، (وإن وُجد الشرط) وهو موت المَوْلى على الوصف الذي ذكره لانعقاد السبب مآلاً (عَتَقَ) من الثُلُثِ (كالمدبَّرِ) اتفاقاً.
(وأَمةٌ ولدتْ من سيدها) مبتدأ موصوف (فادَّعى) سيدُها ولدَها (أو من زوجٍ فَمَلَكَها) زوجها (أُمُّ ولده) خبر المبتدأ، وأم الولد يَصدُقُ لغةً على الزوجة وغيرها ممن لها ولد. وعرفاً يختص بالأَمة التي يثبتُ نسبُ ولدها من مولاها. وقال مالك والشافعي: لا تصير الأمة أم ولدٍ إذا مَلَكَها زوجُها بعد ما ولدت منه بِرِقَ (وحكمُها) عند الجمهور (كالمُدبَّرَة) فيما سبق.
وقال بِشر المَرِيسي وداود الأصفهاني: يجوز بيعُها ولا تعتِق بموت مولاها، لما روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر:«بِعْنَا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما كان عمرُ نَهَانَا عن ذلك فانتهينا». وقال ربيعة بتعجيل عتقِها، لما روى ابن ماجه والحاكم في «مستدركه» ـ وسكت عنه ـ من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أعتَقَها ولَدُها». وقال ابن القطَّان في كتابه: وقد روي بإسناد جيد عن ابن عباس قال: لما ولدتْ ماريةُ إبراهيمَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعتَقَهَا وَلَدُها».
واستدل الجمهور بما روى أبو داود من حديث سَلَامة بنت مَعْقِل امرأة من خارجة قيس غَيْلان قالت: قدم بي عمي في الجاهلية فباعني من الحُبَاب بن عمرو، فولدتُ له عبد الرحمن، ثم هلك فقالت امرأته: والله الآن تباعين في دَينهِ، فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ وَلِيُّ الحُبَاب؟» فقيل: أخوه أبو اليَسَر كعب بن عمرو، فبعث إليه فقال:«أعتقوها فإذا سَمِعْتم برقيقٍ قَدِمَ عليَّ، فأتوني أُعَوِّضكم». قالت: فأعتقوني، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق، فعوضهم غلاماً.