إلا أنها تَعتِقُ عند موته من كلِّ مالِهِ ولم تَسْع لِدَيْنِهِ.
===
وبما روى مالك في «الموطأ» عن عمر أنه قال: «أيُّما وَلِيْدةٍ وَلَدَتْ من سيدها فإنه لا يبيعها، ولا يهبُها، ويستمتع بها ما عاش، فإذا مات فهي حرة».
وبما رواه ابن ماجه عن ابن عباسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيُّما أمةٍ وَلَدَتْ من سيِّدها فهي حرةٌ بعد موته». ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يُخرِّجاه. وفي رواية أبي يَعلى المَوْصِلي:«أيُّما أمةٍ وَلَدَتْ من سيدها، فإنها حرة إذا مات، إلا أن يَعْتِقَها قبل موته». وروى الدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهاتِ الأولاد وقال:«لا يُبعْنَ، ولا يُوهبنَ، ولا يُورثْنَ، يستمتع بها سيدُها ما دام حياً، فإذا مات فهي حرة».
وأجابوا عن حديث أم إبراهيم بأنَّ ظاهِرَه تَنُجِيْزُ الحرية، وهو خلاف الإجماع، فيثبت به حق الحُرية إعمالاً للحديث بقدر الإمكان. قال الخطابي: وقد ثبت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّا مَعَاشِرَ الأنبياءِ لا نُورَثُ، ما تركْنَاه صدقة»(١) .
ولو جَاز بيعُ أم الولد لَبِيْعت مارية وصار ثمنُها صدقةً. انتهى. وعن حديث جابر بأنه يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَشْعُرْ ببيعهم إيَّاها، ولا يكون حجةً إلا إذا عَلِمَ به وأقرهم عليه، ويُحتمل أن يكون ذلك أول الأمر، ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم به أبو بكر لقصرِ مُدة خلافتِهِ، واشتغاله بأُمور المسلمين من حرب مُسَيْلِمة وأهل الرِّدَّة، ثم نهى عنه عمر لمَّا بلغه نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عنه. كما قيل في حديث جابر في المتعة الذي رواه «مسلم»: كنا نستمتع بالقبضة من التمرة والدقيق الأيامَ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهانا عنه عمر.
ومما يدل على انعقاد الإجماع على عدم بيعهن في أيام عمر ما رواه عبد الرزاق في «مصنفه»: أخبرنا مَعْمَرُ، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عَبيدة السَّلْماني قال: سمعت علياً يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أنْ لا يُبَعْن، ثم رأيت بعد أن يُبَعْنَ. قال: فقلت له: رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إليَّ من رأيك وحدَك في الفرْقة، قال: فضحك عليٌ كرم الله وجهه.
(إلا أنها) أي أم الولد (تعتِق عند موته) أي موت سيدها (من كل مالِهِ ولم تَسع لديْنِهِ) لما قدمنا من إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «أعتَقَهَا ولدُها»، وقوله: «فإنها
(١) الجزء الأول من الحديث أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٤٦٣، والجزء الثاني أخرجه مسلم في "صحيحه" ٣/ ١٣٧٧ - ١٣٧٨، كتاب الجهاد (٣٢)، حكم الفئ (١٥)، رقم (٤٩ - ١٧٥٧).