للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يثبتُ نَسَبُ الولد إلا بِدِعْوة، ثم بلا دِعوةٍ، لكن ينتفي الولدُ بالنَّفْي.

===

حرة بعد موته» (ولا يثبت نَسَبَ الولد) (١) من سيِّدها المعتَرِفِ بوطئها (إلا بِدِعوة) بكسر الدال على ما هو المشهور، أي بدعوى أن ولدها منه. وبه قال الثوري، والشَّعْبي، والحسن البصري. وقال مالك والشافعي وأحمد: يثبت نَسَبه إذا أقر بوطئها وإن عَزَلَ عنها، إلا أن يدَّعِي أنه استبْرَأَهَا بعد الوطء بحيضة، لأنه لما ثَبَتَ النسب بعقد (٢) النكاح فَلأَن يثبت بالوطء وهو أكثر إفضاءً أولى.

ولنا ما روى الطحاوي عن ابن عباس: أنه كان يأتي جارية، فحملت فقال: ليس مني، إني أتيتها إتياناً لا أريد به الولد ـ يعني كان يعزِل عنها ـ وعن زيد بن ثابت: أنه كان يطأ جاريةً فارسيةً ويعزل عنها، فجاءت بولد، فأعتق الولد وجلدها. وعنه: أنه قال لها: مِمَّنْ حملتِ؟ قالت: منك، قال: كذبتِ ما وصل إليك ما يكون منه الحمل، ولم يلتزمه زيد مع اعترافه بوطئها.

(ثم) إن جاءت بولدٍ بعد الاعتراف بالأوّل يثبتُ نَسَبهُ (بلا دِعوة) لأنه لما ادَّعى الأولَ تعين الولد مقصوداً فيها، فصارت فِراشاً له، كالمقصود عليها بالنكاح، ولهذا لو أعتقها، أو مات عنها، يلزمها العِدَّة (لكن ينتفي الولدُ بالنفي) أي بمجرد نفيه بلا لِعَان، لأن فراشها ليس بقوي، ولهذا يَملِكُ المَوْلى نقله بالتزويج، بخلاف المنكوحة حيث لا ينتفي ولدها إلا باللعان لتأكد فراشها، ولذا لا يملك الزوج نقلها بالتزويج. وفي «المبسوط»: إنما يملكُ السيد نفيَه إذا لم يقض القاضي، أو لم يتطاول الزمان، لأن قضاء القاضي مُلزم، وتطاول الزمان دليل الاعتراف.

واعلم أن هذا كلَّه في القضاء، وأما في الدِّيَانة فإن كان وطِئَها وحصَّنَها، أي حِفظَها عما يوجب رِيْبة الزنا ولم يعزِل عنها لَزِمَه أن يعترِفَ به ويدَّعيه، لأن الظاهرَ أنَّ الولدَ منه. وإن عَزَلَ عنها أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه، لأن هذا الظاهر عارَضَهُ ظاهرٌ آخر.

وعن أبي يوسف: لو وطِئها ولم يستبرئها بعد ذلك، فجاءت بولد، فعليه أن يدَّعيَه، سواءٌ عَزَلَ عنها أو لم يعزل، حصنها أو لم يحصن، تحسيناً للظن بها، وحملاً لأمْرِها على الصلاح ما لم يتبين خلافه.


(١) في المخطوط: "ولا يثبت نسب ولد الأمة".
(٢) في المطبوع: "بعد" بدل "بعقد".

<<  <  ج: ص:  >  >>