للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: لعَمْرُ الله، وَايْمُ الله، وعَهْدِ الله، وميثاقِهِ،

===

والحَلِفُ بصفات الفعل كالرحمة، والسَّخط، والغضب، والرضاء لا يكون يميناً. وقالوا: صفة الذات: ما يجوز أن يُوصَف بها ولا يجوز أن يوصف بضدها، كالقدرة. وصفة الفعل: ما يجوز أن يوصَف بها وبضدها كالرضا، فإنه تعالى يرضى بالإيمان ولا يرضى بالكفر. انتهى. واتفقوا على أنه لا يُحلف بعلمه، إما لأنه غير متعارَف، وإما لأن العلم يُذكر بمعنى المعلوم.

وفي «المحيط»: لو قال: يعلم الله أنه فعل كذا ولم يفعله يُكْفَر، لأنه وصفَ الله تعالى بالعلم بوجود شيء قبل وجوده، فصار كما لو وَصَفَه بالجهل. والأصح: أنه لا يُكْفر، لأنه قصد بهذا الكلام إثبات صدقِهِ في خبره لا وصف الله به. ويجوز أن يحلف بجميع أسمائه وإن لم يتعارف الناس بها على الصحيح، لأن اليمين باسم الله ثبت بقوله عليه الصلاة والسلام: «من كان حالفاً فليحلف بالله» (١) ، والحلفُ بسائر أسمائه حَلِفٌ بالله. وما ثبت بالنص أو بدلالته لا يراعى فيه العُرْف. وقال بعضهم: كل اسم لا يسمى به غير الله، كالرحمن فهو يمين، وما يسمى به غير الله كالحكيم، والعليم، والقادر، والرحيم، فإن أراد به يميناً فهو يمين، وإن لم يردْ به يميناً لا يكون يميناً.

(وقوله) مبتدأ (لعَمْرُ الله) أي لبقائه، وهو بفتح العين أذ لا يُستعمل في القسم بضمها، وهو مبتدأ خبره محذوف تقديره: قسمي أو يميني. قال الله تعالى: {لعَمْرُكَ إنَّهم لفي سَكْرتِهم يعمهون} (٢) ، (وَايْمُ الله) وهو عند الفرَّاء جمع يمين، فأَصْلُه أَيْمُن سقطت نونُهُ وهمزتُه في الوصل للتخفيف. وعند سِيْبَوَيْه: كلمة اشتُقت من اليمين، ساكنة الأول فاجتلبت الهمزة للنطق به. وقيل: أيم صلة أي زائدة، والمعنى والله، وهو حلف متعارف بها. فقد قال صلى الله عليه وسلم حين طعن الناس في إمارة أسامة بن زيد: «إن كنتم تطعنون في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وَأَيم الله إنْ كان لخليقاً بالإمارة». رواه البخاري.

(وعَهْدِ الله وميثاقِه) وكذا ذمته وأمانته. والواو في هذه الألفاظ للقسم، فما بعدها


(١) صحيح البخاري (فتح الباري) ١١/ ٥٣٠، كتاب الأَيمان والنذور (٨٣)، باب لا تحلفوا بآبائكم (٤)، رقم (٦٦٤٦).
(٢) سورة الحجر، الآية: (٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>