للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهِرَّةِ

===

اللفظِ بالقُرآن (١) ، فأمَّا في الحديث فلم أرَ به بأساً.

ولا شَكَّ أنَّ الحُكَم بالضَّعْفِ والصِّحَّةِ إنما هو في الظاهر، أمَّا في نفسِ الأمْرِ فيجوزُ صِحَّةُ ما حُكِمَ بضعفِهِ ظاهراً وكذا العكسُ. وثبوتُ كون مذهبِ أبي هريرة ذلك قرينةٌ تُفيدُ أنَّ هذا مما أجادَهُ الراوي المُضَعَّفُ، وحينئذٍ فيُعارض حديثَ السَّبْعِ ويُقدَّمُ عليه، لأنَّ معه دلالةً على التقدُّمِ للعِلْمِ بما كان من التشديد في أَمْرِ الكلاب أوَّلَ الأمر، حتى أُمِرَ بقتلها. والتشديدُ في سُؤرِها يناسِبُ كونَهُ في ذلك الوقت، وقد ثَبَتَ نَسْخُه فيَتْبَعه حُكْمُ ما كان مَعَه.

ولئِنْ طَرَحْنا الحديثَ بالكليَّةِ كان في عَمَلِ الراوي على خلافِ كَمِّيَّةِ ما رَوَى دلالةٌ ظاهرةٌ عليه لاستحالةِ عُدُولِهِ عن القَطْعِيّ إلى رأيه الظَّنِّيّ، إذْ ظَنِّيَّةُ خبَرِ الواحد إنَّما هي بالنسبة إلى غير راويه، وأمَّا بالنسبةِ إلى مَنْ سَمِعَهُ من النبي صلى الله عليه وسلم فقطعيٌّ، ولا يجوزُ تَرْكه إلا بالنَّسْخ، إذْ لا يُتْرَكُ القطعيُّ إلاَّ بمثلهِ، فبطَلَ تجوِيزُ تَرْكه بناسخٍ ثَبَتَ باجتهادِهِ المحتَمِلِ للخطأ، مع أنَّ إثباتَ اجتهادِه في حيِّزِ المنع. وإذا عرفتَ هذا كان تَرْكُهُ للعَمَلِ به بمنزلةِ روايتِهِ للناسخِ بلا شبهة، فيكون الآخَرُ (٢) منسوخاً بالضرورة، وإلا استَلْزَم سُوءَ الظنِّ به وسقوطَ عدالتِه، وهو باطلٌ بإِجماع الأُمَّة.

ثم إن الشافعيَّ جَعَلَ العَدَدَ تعبُّداً، وعَدَّاه إلى الثَّوْبِ وإلى رُطوبةٍ أُخرَى منه وإلى الخِنزيِرِ، والتعبّديُّ لا يَتعدَّى. وجَعَلَ مالكٌ غَسلَ الإِناءِ من وُلوغ الكلبِ فقط مندوباً دون غيرِهِ من السِّباعِ ولو خنزيراً، ويَحكُمُ بإراقة الماءِ لا الطعامِ، وقيل: لا يُراقَ الماءُ أيضاً لأنَّ غَسْلَ الإِناءِ تعبُّدٌ، وكان مالك يَرى الكلبَ كأنه مِنْ أهلِ البيت كالهِرَّةِ، ليس كغيره من السباع، وكان يَستعظم أن يُعْمَدَ إلى رِزِقِ الله من الماءِ أو الطعامِ فيُراقَ بولَوغِ الكلبِ فيه، وقال: جاء هذا الحديثُ وما أَدري ما حقيقتُه؟ وفي «مُدَوَّنتهم» لو توضَّأَ به وصلَّى فلا إعادة.

(والهِرَّةِ) أي وسُؤْرُ الهِرَّةِ التي لم تأكل نجاسةً أو أكَلتْها ومكثَتْ ساعةً: مكروهٌ عند أبي حنيفة ـ وقيل عند محمد أيضاً ـ كراهةَ تحريمٍ كما ذهب إليه الطَّحاوي، أو تَنْزِيهٍ كما ذهب إليه الكرخيُّ وهو الأصحُّ، لأنها لا تتَحامَى النجاسَةَ فيُكره، كماءٍ


(١) في المطبوعة والمخطوطة: "اللفظ بالقرائن". والمثبت من الجزء الذي حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى من كتاب "فتح باب العناية" ١/ ١٥٠.
(٢) أي الحديث الآمر بالغسل سبع مرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>