للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا كفارة في حَلِفِ كافرٍ وإن حَنِثَ مُسْلِمًا.

مَنْ حَرَّمَ مِلكَه لا يَحْرُم عليه، وإن استَبَاحَه كفَّرَ

===

عن يميني وأتيتُ الذي هو خير». رواه الشيخان، وفي لفظ: «أتيت الذي هو خير وكفَّرت عن يميني». ولعل معنى: «كفرت عن يميني» في اللفظ الأول: نويت التكفير عن يميني، أو قدم للاهتمام. والله تعالى أعلم بحقيقة المرام.

ثم اليمين في الحديث بمعنى المقسم عليه، فذُكرَ الكل وأُريد البعض. وقيل: ذكر اسم الحال وأُريد المحل، لأن المحلوف عليه محل اليمين.

(ولا كفارة في حَلِفِ كافر وإن حَنِثَ مُسْلِماً) وقال الشافعي: يلزمه الكفارة بالمال دون الصوم إذا حنث كافراً، لأنه أهل لليمين، ولهذا يُستحلف في الدعاوى والخصومات.

ولنا قوله تعالى: {فَقَاتِلوا أئمةَ الكفرِ إنّهم لا أيْمَانَ لهم} (١) ولأنه ليس بأهل لليمين، لأن المقصود منها البِرُّ تعظيماً لاسم الله تعالى، والكافر ليس من أهله، لأنه هتك حرمة اسم الله تعالى بإصراره على الكفر، والتعظيم مع الهتك لا يجتمعان.

(ومَنْ حَرَّمَ) على نفسه (مِلكَه) من طعام، أو ثوب، أو أَمة، أو غير ذلك (لا يَحْرُم عليه) لأن ذلك قلب المشروع، ولا قدرة له عليه (وإن استَبَاحَه) أي عامله معاملة المباح، بأن أكل الطعام، أو لبس الثوب، أو وطء الأمة (كفَّرَ) كفارة يمين. وكذا لو قال: طعام فلان، أو ثوبه، أو أمته عليَّ حرام، فهو يمينٌ، لأن ظاهِرَه الإنشاء، إلا أن يريد به الإخبار عن الحرمة.

وقال مالك والشافعي: لا كفارة عليه، لأنه ليس بيمين إلا في حق الجواري، والنساء في معناهن، فيقتصر على مورده في لزوم الكفارة، لأن تحريمَ الحلال قلبُ المشروع، واليمين عقد مشروع، فلا ينعقد بلفظٍ هو قلب المشروع كقلبه (٢) ، وهو تحليل الحرام، ولأن ذا ليس إلى العبد، فإن المُحلِّل والمحرِّم هو الله سبحانه، فيلغو.

ولنا قوله تعالى: {يا أيها النبيُّ لم تُحرِّم ما أحلَّ اللَّهُ لك تَبْتَغي مرضاتَ أزْواجِكَ وا غفورٌ رحيمٌ قد فَرَضَ الكم تَحِلَّة أيْمَانِكُم} (٣) وسبب نزول هذه الآية ما في


(١) سورة التوبة، الآية: (١٢).
(٢) في المخطوط: "كعكسه" بدل "كقلبه".
(٣) سورة التحريم، الآية: (١ - ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>