للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَنْ حَلَفَ على معصيةٍ، كعدمِ الكلامِ مع أبَويْهِ، حَنِثَ وكفَّرَ

===

فَحَلَفَ أن لا يَطْعَمَ، ثم قال بعد ذلك: أيقظيهم وجيئي بالطعام، فسمى الله وأكل، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي صنع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من حَلَفَ على يمينٍ فرأى غيرها خيراً منها، فليأته ثم ليكفِّر عن يمينه». قال السَرَقُسْطي: أَشْهَيْتِ الصبية: أي أطعمتهم شهوتهم. و «ثم» قد تجيء للتشريك في الحكم ولا تقتضي الترتيب، كما في قوله عز وجل: {وبَدَأ خَلْق الإنسان من طِيْنٍ ثم جَعَلَ نَسْلَه} (١) … الآية، كذا في «القاموس».

فإن قيل: تعليلكم وتأويلكم مَرْدودان لمخالفتهما النصَّ، وهو قوله تعالى: {ولكن يُؤَاخِذُكُمْ بما عَقَّدتُم الأيْمَان فكفارتُه} الآية، والفاء للوصل والتعقيب، فيقتضي جواز التكفير بعد اليمين متصلاً بها، وكذا قوله: {ذلك كفارةُ أيْمَانِكُم إذا حَلَفتُم} (٢) ، رتَّبها على الحَلِفِ لا على الحنث.

قلنا: الحِنث مضمرٌ في النص، بدلالة ما قلنا في قوله تعالى: {فمنْ كان منكم مَرِيضاً أو على سَفَر فَعِدَّةٌ من أيامٍ أُخَر} (٣) ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود: «إذا حلفتم وحنثتم».

(ومَنْ حَلَفَ على معصيةٍ كعدمِ الكلامِ مع أبَويْهِ) أو أحدهما (حَنِثَ) أي ينبغي أن يحنَثَ في الحال (وكفَّرَ) في الحال بالصوم والمال، لما روينا من الحديث، فإن ظاهرَه يقتضي وجوب الحِنْث إذا لم يكن المحلوفُ عليه معصية، وكان الحِنْثُ خيراً من البِرِّ، فأولى أن يجب عليه الحنثُ إذا كان معصية.

والحاصل: أنه يجب البرُّ في الحَلِفِ على فِعْل الفرض وتَرْك المعصية، ويجب الحنث في عكسه، لقوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ أن يطيعَ الله فليُطعْه، ومَنْ حَلَفَ أن يعصيه فلا يعْصِه» ويرجَّح البر في الحَلِفِ على فعل المباح، لقوله: {واحفَظوا أيْمَانَكم} (٢) أي عن الحنث. ويرجَّح الحنث في الحلِفِ على ترك فعل القُرْبة لقوله عليه الصلاة والسلام: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفّرت


(١) سورة السجدة، الآية: (٧).
(٢) سورة المائدة، الآية: (٨٩).
(٣) سورة البقرة، الآية: (١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>