للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وكان ابن عمر وسليمان وأبو الدرداء يُكفِّرُون قبل الحنث، وكذلك الحسن وابن سيرين. رواه ابن أبي شَيبة. وذلك لما روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حَلَفَ على يمينٍ فرأى غيرها خيراً منها، فليُكفِّر عن يمينه وليأت الذي هو خير»، وكلمة الفاء للتعقيب. وما روى أبو داود بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن سَمُرَة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا عبد الرحمن إذا حَلَفتَ على يمينٍ فرأيت غيرها خيراً منها، فكفِّر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير»،. وكلمة «ثُم» للتراخي.

ولنا أن الكفارة لِسَتْر الجناية ولا جناية قبل الحنث، لأن عقدَ اليمينِ بدون الحنثِ ليس بذنبٍ إجماعاً، لأنه أَمْرٌ مشروع، فإن في عقدِ اليمين تعظيمَ اسم الله تعالى، والمشروع لا يوصف بالذنب، وإنّما الذنبُ في هتك حرمة اسم الله تعالى بالحنث، فاستحال (١) التكفير قبل الحنث كالطهارة قبل الحدث، فلا يصح كفارة اليمين قبل الحنث، كما لا يصح كفارة القتل قبل الجرح.

وأجيب عما رَوَوْا بأنه يقتضي وجوب تقديم الكفارة على الحِنْث، ولا قائل به. وبأن الحديث الأول معارَضٌ برواية مسلم له أيضاً بلفظ: «فليأت الذي هو خير وليُكفِّر عن يمينه». ورُوي في الصحيحين فيهما بالتقديم والتأخير من حديث أبي هريرة، وعبد الرحمن بن سَمُرة، وعديّ بن حاتم. وبأن الفاء الجزائية تفيد تعقيب ما قبلها في الجملة، كما حُقِّق في قوله تعالى: {إذا قُمتُم إلى الصلاة فاغْسِلُوا وُجُوهَكُم وأيدِيَكُم} (٢) والواو تدل على الجمعية، فلا دلالة على تقديم أحد الجزأين على الآخر، كما في: ادخلِ السوق فاشترِ لحماً وفاكهةً، فإنّ المقصود تعقيب دخول السوق لكل من الأمرين.

وأما الحديث الثاني فمعارَضٌ بما أخرجه الإمام أبو محمد قاسم بن ثابت بن حزم السَرَقُسْطي في كتاب «غريب الحديث» عن أبي حازم عن أبي هريرة: أن رجلاً أَعْتَمَ عنده ـ أي أمسى ـ فسأل صِبْيَتُه أُمَّهُم الطعام، فقالت: حتى يجيء أبوكم، فنام الصِّبْيَة، فجاء أبوهم فقال: أَشْهَيْتِ (٣) الصِّبْيَة؟، فقالت: لا، كنت أنتظر مجيئك،


(١) في المطبوع: "فكان" بدل "فاستحال".
(٢) سورة المائدة، الآية: (٦).
(٣) في المخطوط اشتهيت. والصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>