للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لحديث عبد اللَّه بن عمرو: جاء رجل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، أجاهد؛ قال: "لك أبوان؟ " قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد" (١). وعن ابن عباس نحوه (٢)، ولأن بر الوالد فرض عين، والجهاد فرض كفاية، ولا يعتبر إذن جد وجدة، لورود الأخبار في الأبوين، وغيرهما لا يساويهما في الشفقة، ولا يعتبر إذن الأبوين في سفر لواجب، من حج، أو علم، أو جهاد.

ولا يتطوع به مدين لآدمي لا وفاء له، حالًّا أو مؤجَّلًا، إلا بإذن رب الدَّين، أو رهن، أو كفيل مليء، ولا يحل للمسلمين فرار من مثليهم، ولو واحد من اثنين. قال ابن عباس: من فز من اثنين فقد فرّ، ومن فر من ثلاثة فما فر (٣). إلا متحرفين لقتال، أو متحيزين إلى فئة، وإن بَعُدَت، للآية (٤).

ومعنى التحرُّف للقتال: التحيز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، كانحرافهم عن مقابلة شمس، أو ريح، أو استناد إلى نحو جبل، ومعنى التحيز إلى فئة: أن يصير إلى فئة من المسلمين، ليكون معهم، فيتقوى بهم. قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان، والزحف بالحجاز، جاز التحيز إليهم (٥). لحديث ابن عمر مرفوعًا: أنا فئة لكم. وكانوا بمكان بعيد منه. وقال عمر: أنا فئة لكل مسلم. وكان بالمدينة، وجيوشه بالشام، ومصر،


(١) البخاري، في الجهاد، باب الجهاد بإذن الأبوين (٤/ ١٨) وفي الأدب، باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين (٧/ ٦٩) ومسلم، في البر (٤/ ١٩٧٥).
(٢) ابن أبي شيبة، كتاب الجهاد، الرجل يغزو ووالداه حيان أله ذلك؟ (١٢/ ٤٧٤) موقوفًا.
(٣) الشافعي (ترتيب مسنده ٢/ ١١٦) وابن أبي شيبة، كتاب الجهاد (١٢/ ٥٣٧)، وسعيد بن منصور، في "سننه" (٢/ ٢٠٩).
(٤) قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} [الأنفال: ١٦].
(٥) نقله في "الشرح الكبير" (١٠/ ٤٩).