للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول- التعريف بابن أبي زيد القيرواني]

[المطلب الأول- عصر ابن أبي زيد]

عاش ابن أبي زيد في زمان سيطرة دولة العبيدين على المغرب الإسلامي، وهو زمان كثرت فيه الفتن، بل قُتِل عدد من شيوخ ابن أبي زيد في حرب العبيدين، وقد رسم لنا القاضي عياض صورة من فظائع هؤلاء بقوله: "كان أهل السنة بالقيروان أيام بني عبيد، في حالة شديدة من الاهتضام والتستر كأنهم ذمة، تجري عليهم في كثرة الأيام محن شديدة، ولما أظهر بنو عبيد أمرهم، ونصبوا حسينًا الأعمى السبّاب لعنه الله تعالى في الأسواق للسب بأسجاعٍ لُقِّنها يوصل منها إلى سب النبي ، في ألفاظ حفظها كقوله لعنه الله: العنوا الغار وما وعى، والكساء وما حوى، وغير ذلك. وعُلِّقت رؤوس الأكباش والحمر على أبواب الحوانيت عليها قراطيس معلقة مكتوب فيها أسماء الصحابة = اشتد الأمر على أهل السنة؛ فمن تكلم أو تحرك قُتِل ومُثِّل به. وذلك في أيام الثالث من بني عبيد، وهو إسماعيل الملقب بالمنصور، لعنه الله تعالى، سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة" (١).

وقد كان لعلماء المسلمين مقاومة لهؤلاء العبيدين تُمدَح: منها ما كان بالسيف والسنان، ومنها ما كان بالدعاء والبيان، ومن ذلك ما يروى أن الشيخ أبا إسحاق السبائي (ت: ٣٥٦ هـ) -وكان مستجاب الدعاء- كان يرقي المرضى بسور: الفاتحة والإخلاص والمعوذتين، كل ذلك يقرؤه سبعًا، ثم يقول في آخر دعائه: "ببغضي في عبيد وذريته وحبي في نبيك وأصحابه وأهل بيته اشفِ كلَّ مَنْ رقيتُه" (٢).


(١) يراجع: ترتيب المدارك، للقاضي عياض (٥/ ٣٠٣).
(٢) وهو من طبقة شيوخ ابن أبي زيد، وكان ابن أبي زيد يجله كثيرًا، كما أن أبا إسحاق كان مقدرًا لفضل ابن أبي زيد وعلمه. يراجع: معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان (٣/ ٦٨).

<<  <   >  >>