للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصلاح والفضل وأهل الجهة من المسجد؛ فإن رأوه لذلك أهلًا جلس. وما جلستُ حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم إني لموضع لذلك" (١)؛ وهذا ما فعله ابن أبي زيد؛ لهذا مَنْ نسب سبب التأليف لسؤال أبي إسحاق السبائي فقد صدق؛ لأن ابن أبي زيد -لورعه وديانته- ما كان ليقدم على التأليف دون هذه الإجازة من مثل أبي إسحاق السبائي (رحمهما الله)، وقد أشار العلامة زروق إلى احتمال الجمع بين رواية المؤرخين ورواية أصحاب التقاييد التي قواها ابن ناجي وغيره (٢)، وهو ما ذكرته، والله أعلم.

[المطلب الثالث- أهمية الرسالة في المذهب المالكي]

الرسالة "أكثر كتب ابن أبي زيد انتشارًا، وأعظمها تأثيرًا في الميدان التعليمي الفقهي بخاصة، ويمكن أن تعدَّ بحق كتابه الخالد، ابتدأ رواجها من حياة مؤلفها، واستمر تعاقب الشروح عليها من عصر مؤلفها في القرن الرابع، حيث ابتدأ بشرحها القاضي عبد الوهاب. بل ومن قبل القاضي عبد الوهاب اهتم شيخه إمام المدرسة العراقية أبو بكر الأبهري بالرسالة، وألف عليها كتابه: "مسلك الجلالة، في مسند الرسالة". ويذكر أن شروحها زادت عن مائة شرح؛ فما أعلم كتابًا في الفقه المالكي -بعد الموطأ والمدونة- حظِي بمثل ما حظِيتْ به رسالة ابن أبي زيد من قبول وعناية وشهرة وانتشار في الآفاق وعمق أثر في خدمة المذهب، ونفع الأجيال من طلابه على امتداد الزمان والمكان" (٣).

وقال ابن ناجي: "الانتفاع بالرسالة ظاهر لا ينكر، وقيل: فيها أربعة آلاف مسألة، والنفع يقع بكل مسألة منها فضلًا عن الكل، وكل مسألة بحديث ففيها أربعة آلاف


(١) يراجع: ترتيب المدارك، للقاضي عياض (١/ ١٤٢).
(٢) يراجع: شرح زروق على الرسالة (١/ ١٩).
(٣) يراجع: اصطلاح المذهب المالكي، للدكتور محمد إبراهيم علي (ص ٢٤٣).

<<  <   >  >>