اجتياح فرنسا للجزائر، وهبط هذا العدد مع بداية الاحتلال إلى (٦٠) ألفا، ثم إلى (٢٠) ألف جزائري فقط. ومرت مدن بليدة وميدية والمعسكر وتلمسان وعنابة وقسنطينة وغيرها، بفترات من الحصار والمذابح، وفر الكثيرون من أبناء المدن إلى الأرياف. واستمرت الهجرات على نطاق واسع أيضا إلى بلاد الشام، طوال القرن التاسع عشر، احتجاجا على الإجراءات الإفرنسية.
غير أن مدينة (قسنطينة) انفردت عن سواها من مدن الجزائر، بأنها استطاعت استعادة مكانتها بسرعة؛ فأصبحت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر مركزا سياسيا ودينيا لمقاومة المخططات الاستعمارية الإفرنسية. وقد تم لها ذلك بفضل الطبقة المتوسطة ذات الجذور العريقة والتقاليد الراسخة والثقافة الدينية الرفيعة. علاوة على ما يتوافر لهذه المدينة من انفتاح على داخل البلاد، ووجود فئة متعلمة لها قدرة قيادية. وقد تمكنت هذه الطبقة المثقفة المختارة -بمعونة باي قسنطينة، من تجنب الدمار الذي ألحقه الإفرنسيون بالمدن الجزائرية الأخرى، ولم يعد من الغريب والحالة هذه أن تكون هذه المدينة مهدا لظهور عدد كبير من قادة الثورة الجزائرية وزعمائها في وقت لاحق.
على كل حال، أدى نجاح الإفرنسيين في القضاء على ثورة القبائل (سنة ١٨٧١) إلى نهاية فترة من الوطنية الريفية، وبداية فترة أخرى من جهود أهل المدن، يقودهم سكان قسنطينة، للحصول على بعض حقوقهم بوسائل الصراع السلمي. وظلت الطبقة المختارة متماسكة، متلاحمة، في مدينة قسنطينة، لتأخذ على عاتقها قيادة