سنة ١٨٦٧ التي انتظرتها فرنسا بفارغ الصبر، لتشرع في تنفيذ مهمتها الثانية المتعلقة يتنصير المسلمين. وصهرهم في البوتقة المسيحية. واغتنمت فرنسا هذه المجاعة فجلبت إلى الجزائر أكبر عدد ممكن من (الآباء البيض) و (الإرساليات التبشرية) الأخرى. وزودتهم بالأطعمة المختلفة، وحثتهم على استدعاء الأهالي الجياع لزيارة الكنائس، بعد إغرائهم يوجود ما يبتغون. ولم تكن بغية الأهالي آنذاك سوى لقمة العيش. ويقف الجزائريون على أبوابا الكنائس والمعابد المليئة بأشهى الطعام، ضمر الخصور، غور العيون. يتلهفون إلى لقمة العيش، فلا يجدونها إلا بشروط. ولم تكن هذه الشروط سوى الخروج على الدين الإسلامي
والدخول في المسيحية، وبهذا فقط يتمكنون من مضغ لقمة الحياة، وإلا فالموت لهم بالمرصاد.
وذات يوم، وقف أحد الجزائريين الجياع أمام باب إحدى (الإرساليات التبشرية) في عمالة (وهران). وطلب إعطاءه لقمة عيش تحفظ له ما بقي من حياة. وكان الرجل في حالة تفير الرثاء في أقسى القلوب المتحجرة، بسبب ما وضح من أمره من الضعف
والهزال. واستقبله (المبشر المحترم) ورحب به، وأدخله المعبد. وأخذ يعرض على بعد منه أنواع الطعام الشهية، واصفا لذائذها
وفوائدها. ولم يتمكن الرجل من إيقاف لعابه السائل، فهم بمد هيكل يده ليحظى بشيء من الطعام. ولكن المبشر حال دونه ودون مبتغاه، وقال له بصراحة:(لن يأكل هذا الطعام الشهي إلا من دخل الدين المسيحي). وانتابت الرجل رجفة، ولم يلبث أن أدار ظهره للطعام المشروط، وأخذ يسحب رجليه الضعيفتين