سحبا. حتى إذا ما ابتعد عن باب الكنيسة خر على الأرض فاقدا الحياة. ومضى أبناء وهران، الذين عاشوا المجاعة، يتناقلون هذه الحادثة فيما يتناقلون. ويسجلونها برهانا - في جملة البراهين - على ما اتسم به (هؤلاء المبشرون) من قسوة القلب، والبعد عن كل القيم الحضارية والمفاهيم الإنسانية.
وقد توافرت شواهد كثيرة أجمعت كلها على أن المبشرين الذين سبقوا الحملة الاستعمارية، ورافقوها، مثلوا أشنع تمثيل عقلية الاستعمار البغيضة، والقائمة على التقتيل الجماعي ونشر الرعب وتعميم الفوضى في المغرب الإسلامي عامة وفي جزائر المسلمين خاصة. وإلا لما تركوا هذا الرجل - وأمثاله الكثيرون - يموتون جوعا أمام عيونهم، بلا ذنب اقترفوه إلا لأنهم قالوا: ربنا الله، وما رضوا عن دينهم بديلا، بينما كان بوسع هؤلاء المبشرين المحترمين تلافي جرائمهم الدنيئة، والتستر على أعمالهم القذرة. ولكنهم يدركون بأن مثل هذا الرجل، سيجعل من أطفاله أيتاما لا معيل لهم. وبعد ذلك يسهل عليهم إلتقاطهم وزجهم في (دور الأيتام) التبشيرية حيث ينشؤون نشأة مسيحية محضة. وأشهر هذه الدور (دار بن عكنون وبوزريعة) في مدينة الجزائر، ودار بطيوه بالقرب من مدينة (أرزيو). ومثل هؤلاء الأينام الذين قضى آباؤهم جوعا، وهم الذين جاء بهم الجنرال بيجو إلى الأب (بريمو) وسلمه إياهم قائلا: (حاول يا أبت أن تجعلهم مسيحيين، وإذا فعلت، فلن يعودوا إلى دينهم ليطلقوا علينا النار).
لقد عبر بيجو في جملته هذه تعبيرا صريحا عن نوايا حكومته في