القضاء على الدين الإسلامي. وسانده في تعبيره كاتبه الخاص حين قال:(إن أيام الإسلام الأخيرة قد حانت، ولن يكون في الجزائر كلها بعد عشرين عاما من إله يعبد غير المسيح ... وإذا ما ارتبنا في أن هذه الأرض ستبقى لفرنسا، فمن الجلي - على الأقل - أن الإسلام قد فقدها ... إن العرب لن يكونوا لفرنسا إلا حينما يصبحون مسيحيين).
أصبحت العلاقة الجدلية القائمة بين الاستعمار وبين التبشير الكنسي، من العلاقات المسلم بها تاريخيا، والمعترف بها دوليا. ولم تعد بحاجة لدليل أو برهان. وقصة احتكاك المغرب العربي - الإسلامي بالصليبية العمياء - وهي نقيض المسيحية السمحاء - لم تبدأ باحتلال الجزائر، ولكنها أعرق في القدم. فالاحتلال نتيجة من نتائجها. وما كان التبشير إلا مقدمة صادقة للإستعمار. ورائدا وفيا لطلائع الزحف التوسعي. ولولا تسلل المبشرين إلى أفريقيا، ونفاذ هواجسهم إلى أدغالها، وتسرب تعاليمهم إلى حنايا سكانها، لما رسخ للإستعمار قدم في هذه القارة. وكانت هذه الإرساليات أمينة لرسالتها المزدوجة، التي تسربها حسوا في ارتقاء ... فقد لا تكفي الإرسالية بتمهيد الأرض لأقدام الغزاة، وإحضاع الرقاب لسيوفهم، بل ربما عاد القسيس من جولته إلى باريس. وفي طيات أثوابه خريطة يسهل بها مؤامرة الغزو. وها هو الأب (شارل دوفوكو) إمام أئمة الكاثوليكية، وأحد رحالة الصحراء، رحل إلى المغرب الأقصى، ورجع منه بوثائق وبخريطة قيل عنها:(أنه لولا خريطة الأب فوكو ووثائقه عن المغرب التي قدمها للحكومة الإفرنسية، لكان احتلال فرنسا للمغرب من الصعوبة بمكان).