دخولهم في المسيحية هو الذي يعيد العرب ويدخلهم إليها كارهين) (١) والأمر الواضح هو أن الصليبيين قد جنحوا إلى كوة الوثنية، حين استعصى عليهم الولوج من باب الإسلام. فاستنجدوا بالعصبية المفرقة حين أعياهم الدين الموحد. الدين الذي وقف بالبربر والعرب على صعيد واحد في وجه الاحتلال، هو الذي دفعهم إلى نبش الماضي، والالتفات إلى لاتينية البرابرة حتى يجدوا ما يفتتون به أوصال الحاضر ويمزقونه.
إنها الصليبية تعيد نفسها، ومجاف للحقيقة وللواقع التاريخي من يزعم أن التبشير في الجزائر كان في خدمة المسيحية، ولو كان القائل مبشرا مسيحيا. لأن أقوال سلفه تغلق في وجهه باب مثل هذا الزعم. فقد كان غزو الجزائر منذ بدايته غزوا صليبيا أعلن عن أهدافه بوضوح تام، فأعاد إلى الأذهان ملاحم الحروب الصليبية في المشرق وأيامها في أندلس المسلمين.
والكنيسة هي التي باركت الغزو الصليبي في المشرق واحتضنته، والقسيس هو الذي كان يغمس السيف في الماء المقدس، ويقلده عنق الفارس، ويشيعه بالدعوات وهو في طريقه إلى بلاد الشام. أما بالنسبة لاحتلال الجزائر، فإن الكنيسة لم تقتنع بالدعوات الضارعة، بل سارت في ركاب الاحتلال، وتلاحمت معه جسما وروحا. وأذعنت في طواعية للوحشية البربرية التي جاء
(١) جريدة (الشريعة) الجزائرية. (٣١ كانون الثاني - يناير - ١٩٣٣، نقلا عن مجلة (المغرب الكاثوليكي) دار الكتب الوطنية بتونس العاصمة - (صفحات من الجزائر - الدكتور صالح خرفي - ص ٣١١ - ٣٢٩).