عالمه النظري إلى العالم العملي، أو من الجمع والتحصيل إلى العطاء والإفاضة، للإفادة مما علم وتعلم، وكان لا بد له قبل هذا التحول من إكمال فرائضه الدينية، فمضى في سنة ١٩١٢ إلى الديار المقدسة في الحجاز، حيث أدى فريضة الحج، وزار خلال رحلته بلاد مصر والشام، ليعود بعدها إلى قاعدته الصلبة في قسنطينة، مستقرا في مسجدها الشهير (الجامع الأخضر). وأخذ في ممارسة عمله - بكل ما في الشباب من إيمان وحماسة وبكل ما في الشيوخ من حكمة وسداد رأي، ولم يلبث طويلا حتى تكشف عن شخصية عملاقة، تفيض علما ونورا يضيئان العقول الضالة والنفوس التائهة.
وأخذت دروسه تجتذب إليها الفدائيين الصالحين، لا من مدينة قسنطينة وحدها، بل من كل جهات المشرق الجزائري، علاوة على أولئك الوافدين إليه من وسط البلاد وغربها. وأصبحت دروسه المختلفة، تجاوز العشر ساعات كل يوم، عامرة بمختلف علوم الدين - من فقه وعبادات ومعاملات - علاوة على ما كان يتخلل تلك الدروس من توجيه وإرشاد يتناسب مع الواقع العملي الذي كانت تعيشه الجزائر الصابرة المجاهدة في تلك الظلمة القاتمة.
وكانت روح الشيخ المؤمنة تفيض بالثقة والأمل، فتجاوبت لها النفوس وأطمأنت إليها القلوب. والشيخ بعد ذلك يتابع دوره باندفاع وحماسة شديدين، لا يتعبه الجهد ولا يناله النصب. ويزيد من حماسته واندفاعه ما كان يلمسه من تجاوب عميق في نقوس تلاميذه وأتباعه. وها هو يعبر عن هذه الحقيقة بقوله:
(إنني أرى حالة البلاد قبل دروس الجامع الأخضر وبعدها: