من الإيمان بالله والثقة بشعبه الجزائري المسلم، وقد أمده ذلك الإيمان وتلك الثقة بالقدرة على مجابهة التحديات مهما عظمت، وهو يقول في ذلك:(سجون واتهامات ونكبات: ثلاث لا تبنى الحياة إلا عليها، ولا تشاد الصروح السامقة للعلم والفضيلة والمدنية الحقة إلا على أسسها. وأمة أخذت تقدم الضحايا في سبيل سعادتها، حقيقة بأن تنال المادة وبأن تهنأ بها ... ومن رام أن يحول بيننا وبين فكرتنا التي نؤمن بها، ويؤمن بها المؤمنون الصادقون، فقد حاول عبثا قلب الحقائق. ونحن لذلك لا نتزحزح عن تلك الفكرة قيد شعرة، مهما طال سيل الكوارث على أمة لها ما للشعب الجزائري من الصفات المرغوب فيها، الكامنة كمون النور في الكهرباء)(١).
غير أن ثقة عبد الحميد بن باديس غير المحدودة بشعبه الجزائري، لا تمنعه من إدراك واقعه المرير، وما آل إليه هذا الشعب من ضعف وتمزق بنتيجة الضربات الاستعمارية الشاملة. وها هو يقول: (برغم ما في الأمة الجزائرية من أصول الحيوية القوية، فقد عركتها البلايا والمحن، حتى استخذت وذلت، وسكنت على الضيم ورئمت للهوان، وبرغم ما بينها من روابط الوحدة المتينة، فقد عملت فيها يد الطرقية المحركة تفريقا وتشتيتا، حتى تركتها أشلاء لا شعور لها ببعضها، ولا نفع، تتخطفها وحوش البشرية من هنا وهناك، بسلطان القوة على الأبدان أو سلطان الدجل على العقول والقلوب.
(١) جريدة المقاومة - الجزائرية - ٢٢ نيسان - أبريل - ١٩٥٧.