للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامية في الجزائر، فاعتقد في نفسه الخبرة الواسعة المخولة للتهجم عليه. وتلك وصمة الاستشراق ولا تزال، يزن المستشرق ثقافته في العربية، بميزان لغته الأصلية فتتجلى له القطرة بحرا ويزكو المأخوذ رغم ضآلته، وتبرر الوسيلة المفضوحة غايات وأطماعا استعمارية دنيئة، وينتج عن ذلك غرور بالنفس يقود إلى المنعرجات الملتوية.

وإذا كان (هانوتو) و (آشيل) يحملان من الحماسة للحضارة الأوروبية الصليبية ما دفعهما للنيل من الإسلام في عقر داره، وفي مستعمرات دخلوها ظلما وعدوانا، فإن أبناء الإسلام لن يكونوا أقل منهم حماسة واستماتة في سبيل عقيدة كانت - وستبقى أبدا - الحصن الحصين لهم ضد كل تهجم دخيل. لذلك، لم يعدم (هانوتو) من يجابهه بنفس الصراحة التي هاجم بها، فكان له -الإمام محمد عبده - بالمرصاد، وكال له الصاع صاعين، في بحر ليلة واحدة كتب فيها رده. ولم يعدم (آشيل) من يرد كيده في نحره، فكان له - عبد الحميد بن باديس -. وبين الردين - رغم الفترة الزمنية الفاصلة بينهما - تجاوب أصيل، فهما ينزعان إلى نبع واحد هو الإسلام، نزوع التهجم إلى حمأة إستعمارية واحدة، ويمثلان حركة إصلاحية متكاملة، إحداهما صدى للأخرى - صدى عفوي كما سبقت الإشارة إليه - تعززها لحمة توجيهية تصلها بواسطة الكتاب أو المجلة أو الزيارة الخاطفة، توزن بما تحمل من أسرار، لا بما يتسع لها الوقت من الدقائق المعدودة، كتلك الزيارة التي قام بها الإمام محمد عبده للجزائر في سنة ١٩٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>