غير أن الأمر الواضح - وفي هذا الموقف بالذات - أن ابن باديس كان إلى الجرأة أقرب وهو ينازل خصمه. هذا بالرغم من الحرية الفكرية التي توافرت للإمام محمد عبده، وحرم منها ابن باديس. فقد واجه الأخير (آشيل) بوجه سافر، ونشر مقالاته بإمضائه الشخصي الصريح، واضعا نفسه أمام المسؤولية مباشرة، غير متخذ من اسم (جمعية العلماء) جنة تحميه، ولا من مجلة (الشهاب) درعا يتستر وراءه. ولم يلجأ إلى انتحال أسماء مستعارة؛ في حين نشر الإمام محمد عبده مقالاته ضد (هانوتو) بإمضاء (إمام من أئمة الإسلام) ولم يأذن لصاحب جريدة (المؤيد) التي نشرت له بالتصريح باسمه. وهكذا بالنسبة لكل مقالات محمد عبده في الرد على (هانوتو) التي جمعت في كتاب على حدة ستة ١٩٠٠ ونسبت إلى (عظيم من عظماء الإسلام وإمام من أئمته) وهذا ما أشار رجال الفكر في مصر.
(فقد جزم أكثر أهل العلم والأدب في مصر، أن كاتب المقالات هو الإمام محمد عبده وذكروا له ذلك في مجلس خاص، وتوقعوا أن يتهلل وجهه، ولكنه فاجأهم بقوله ممتعضا: أنه لا يسوءه ويحزنه شيء كما يسوءه هذا القول، المتضمن لمنتهى ذم قومه وأهل بلده، بالجهل والعجز عن مثل هذا الرد الذي يجب أن يضطلع به أكثر أهل التعليم. ثم قال: ومن المصاب على المرء أن لا يستطيع الاستخفاء في هذا البلد الكبير، إذا ما أراد أن يظهر رأيه وأفكاره دون شخصه، إذا رأى مصلحة في ذلك). وكانت المصلحة من وجهة نظر الإمام - على ما يظهر هي الإبقاء على حركته الاصلاحية بعيدة عن سطوة القصر، وجبروت الحكم