سائر الممالك العربية في المشرق، بل فوق بعضها - سنة ١٩٣٨).
كان من عادة - ابن باديس - التي عرفت عنه، أنه يحتفظ بالكلمة الفاصلة لليوم الحاسم، ويخفي سرها في صدره، ويطيل الصمت. فإذا نطق، قطعت جهينة قول كل خطيب. يقف من الأحداث موقف المتتبع الصامت، حتى إذا بلغت ذروة التعقيد والتشابك، وأصبح الموقف موقف مصير، صدع بقولة الحق التي تسمو فوق كل الاعتبارات. وقد ظهر منه هذا الموقف سنة ١٩٣٨، عندما احتدم صدام فكري قومي بين الأمير شكيب أرسلان وسليمان باشا الباروني في قضية (الوحدة العربية). فتدخل - ابن باديس - وأسفر مرة أخرى عن وجه عربي صميم، فقال القول الفصل في القضية، وتجرأ به في دنيا التضليل والتهريج، وعالم من الجبن والاستكانة. هكذا كان شأنه في القضية المصيرية. وأضافها للتاريخ وقفة بطولية، أبان فيها رأي الخبير بواقع العالم العربي. وأفصح عن القول الجريء: (إن دولا لا تسوس نفسها بنفسها، ولا تشق طريقها على ضوء مصلحتها، لا يمكن تصور وحدة عربية بينها. إن الوحدة السياسية لا تكون إلا بين شعوب تسوس نفسها. فتضع خطة واحدة تسير عليها في علاقاتها مع غيرها من الأمم: وتتعاقد على تنفيذها، وتكون كلها في تنفيذها والدفاع عنها يدا واحدة، فهي مقتدرة على الدفاع عنها، كما كانت حرة في وضعها. وأما الأمم المغلوبة على أمرها. فهي لا تستطيع أن تضع أمرا لنفسها، فكيف تستطيع أن تضعه لغيرها؟ ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها، فكيف تستطيع أن تدافع عما تقرره