وتعارض، وشعرت بوحدتها، فأخذت تطرح تلك الفوارق الباطلة وتتحلى بحلل الأخوة الحقة، وتنضوي أفواجا أفواجا تحت راية الإسلام والعروبة والجزائر. لقد شعرت الأمة بذاتيتها اليوم، وعرفت هذه القطعة من الأرض التي خلقها الله منها، ومنحها لها، وأنها هي ربتها، وصاحبة الحق الشرعي والطبيعي فيها، سواء اعترف لها به من اعترف، أم جحده من جحد. وأصبحت كلمة الوطن، إذا رنت في الآذان، حركت أوتار القلوب، وهزت النفوس هزا).
وعرف الشيخ عبد الحميد خطورة المخطط الاستعماري، لعزل أقطار الوطن العربي - الإسلامي بعضها عن بعض، وإشغال كل قطر بهمومه ومتاعبه عن هموم إخوانه المسلمين ومتاعبهم في الأقطار الأخرى. وعلى الرغم من أن هموم الجزائر المجاهدة - في تلك الحقبة التاريخية بالذات - قد تجاوزت في حجمها وأبعادها كل ما كان يعانيه كل قطر عربي - إسلامي، إلا أن عبد الحميد يتجاوز هذا الواقع في تطلعاته نحو المستقبل ويكتب كلمة عتاب قد تجرح برقتها وعمقها بأكثر مما تفعله السيوف، وكان في عتابه:(مضت حقبة من الدهر كاد فيها الشرق العربي أن ينسى هذا المغرب العربي). وإلى عهد قريب كانت صحافة الشرق - غالبا - لا تذكره إلا كما تذكر قطعة من أواسط أفريقيا. في هذه الأيام يغمط حقه، ويتجاهل وجوده في كتب لها قيمتها، مثل كتاب (ضحى الإسلام) وغيره. ولكن هذا المغرب العربي، رغم التجاهل والتناسي من إخوانه المشارقة، كان يبعث من أبنائه من رجال السيف والقلم من يذكرون به ويشيدون باسمه،