للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلست إليه، فبادرني قائلا، بلسان فرنسي فصيح، ولم يكن يتكلم العربية إطلاقا: أنا مسرور جدا بالتحدث إلى رجل مؤمن مقتنع، قاوم الاستعمار بشدة وصلابة. فتغلب عليه الاستعمار، وأخرجه من البلاد (*). قلت: وأنا سعيد بالتعرف على هذا الشاب النابه الذي أمعن في فضح الاستعمار، وبين آلام الشعب، وأفصح عن ظلامته: إننا تتبعنا ونحن بتونس مقالات (كمال بن سراج) وعلمنا أنك أنت كاتبها. وأبانت لنا الطريق عما خفي عنا من أساليب الاستعمار وظلمه وجبروته. والآن، ونحن هنا، يمكن أن نربط بين طرفي الحبل وأن نوحد الجهود من أجل تحطيم هذا العدوان الاستعماري البشع، ولكي نضع أسس الدولة الجديدة الحرة بالشمال الأفريقي. وقال - عباس فرحات - أما أنتم بتونس فلكم الحق في تكوين الحركة الملية، وفي محاولة إقامة الدولة المستقلة على أنقاض نظام الحماية الذي أصبح نظاما استعماريا كامل الأركان. أما نحن في الأرض الجزائرية، فوضعيتنا تختلف. إن فرنسا ملكت البلاد بقوة السلاح وقتل المدافعين الأحرار، وتشريد بقايا الشعب شذر مذر. فتفكير الطبقة المتنورة بالجزائر هو غير تفكير الطبقة المتنورة التونسية. نحن هنا لا نستطيع إطلاقا محاربة فرنسا، إلا بواسطة قوانينها، وداخل إطاراتها، فكفاحنا وقد ابتدأ ولن ينتهي قريبا، يرتكز على دعامتين أساسيتين: الأولى: فضح


(*) من المعروف أن الشيخ المدني هو في الأصل جزائري، ارتحل أهله في سنة ١٨٧٠ إلى تونس. وفيها ولد - المدني - لم أبعد إلى الجزائر.

<<  <  ج: ص:  >  >>