للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حداثتي وسط هذه الفئة من الناس المتواضعين الصلبين الكرماء، وإذ نشأت في ناحية (دوار) تابع لمجمع مختلط (كومون ميكست) بعيد عن المدينة، غير موروث، وكان من المحال علي أن أنفصل عن أولئك الفلاحين ولم يكن تضامني مع الفلاحين هو تضامن محبة وتعاطف، بل هو تضامن في العيش والحياة إلى حد ما، فقد نشأت بينهم وأصبحت شابا وأنا معهم، لذلك صرت أعرف آلامهم وأدرك مصدر شقائهم وبؤسهم مما كان يثير حزني. إنني لست ابن مهاجر، مثل بعض رفاقي في المدرسة، إذ أن أسرتي لم تأت من مالطا أو فرنسا أو غيرهما إلى الجزائر بحثا عن الثروة. إن الأجيال لا حساب لها بالنسبة لذوي، لأنهم ملك الأرض الجزائرية. فالجزائر لهم كما أنهم ملك لها، هم متعلقون بأرضها سواء كانوا فقراء أم أثرياء، وهم في أيامنا هذه، عندما يهاجرون هربا من الجوع، يعودون حتما إليها ليموتوا فيها.

إن عملية احتلال الجزائر هي قضية معروفة - لكنني سأسرد هنا بإيجاز كيف جرت الأمور بالنسبة لأفراد قبيلتي. لقد قام العقيد - الكولونيل سان أرنو - عام ١٨٥١ في زحفه من قسنطينة إلى (جيجل) بإحراق محاصيلهم وقراهم. وقطع أشجارهم المثمرة، ونهب مواشيهم، فقضى على كل مقاومة عندهم. ثم عادوا فاستأنفوا حمل السلاح عام ١٨٧١ تلبية لنداء مقراني والحداد، فغلبوا على أمرهم من جديد، وهجروا من أراضيهم، وطردوا إلى أرض صخرية بين نجود التل العليا عند أطراف مديرية (فج مزالا). وقد أنشىء في مناطقهم خمسة مراكز للتوطين هي جيجل ودوكسين واستراسبورغ وطاهر وشفقا. وبعد

<<  <  ج: ص:  >  >>