للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بسنوات عادوا يعملون كعمال في أراضي الساحل تلك التي كانت في السابق أراضيهم، أما المجدودون منهم، فقد تمكنوا من شراء قطعة صغيرة أقاموا فيها مساكن لهم. وكان والدي من بين هؤلاء، أما الباقون فقد مضوا يتنقلون من قرية إلى قرية، حسب إرادة أرباب العمل.

أما المدارس فلم يكن يوجد منها شيء لديهم، كانوا يعيشون على هامش مراكز الاستيطان الإفرنسي حيث كانوا يستخدمونهم لأنهم يتكلمون لغتهم، ولكن ما أن يصبح الأمر متعلقا بعمل إداري (عند القاضي أو المدير أو حارس المياه والغابات والجابي إلخ ...) يصبح الترجمان ضروريا. وهكذا أصبحوا غرباء في وطنهم بالذات، كما بقيت القوانين الإفرنسية غير مفهومة لديهم، وانتهى الأمر أخيرا بأن جردوا من القليل الذي أبقاه لهم النظام الاستعماري. وقد سبق أن رأينا أن هذا الشقاء كان من نصيب شعب بأكمله، كما أن بؤسه الفظيع كانت نتيجة صدام بين الشرق والغرب، شرق مغلوب مسلوب ومجبر على الصمت، وغرب طامع عنيف متوحش. ومن طبيعتي أنني أكره العنف، وأكره أكثر منه الظلم، الناجم عن شراهة الفئات المتخمة. وتزداد بشاعة الظلم في الجزائر بقدر زيادة عمق جذوره. ومن العبث إلقاء تبعات هذا الظلم على الإفرنسي الشرير، ونبرىء منه الإفرنسي الطيب. فالمسؤولية هنا جماعية مشتركة، وهي نتيجة نظام، وثمرة مفاهيم خاطئة. ويقال أن الإنسان هو الذي يضع النظم، ويصح أيضا أن نقول بأن النظم تضع الإنسان، إن فرنسيي الجزائر لم يكونوا

<<  <  ج: ص:  >  >>