استمرت أعمالهم في الازدهار. كانت الأمور عندهم على خير ما يرام - وسط الهزيمة - ما دام المستوطن لا يزال سيد الجزائر (*).
...
انهارت هيبة فرسا، نتيجة الهزيمة التي نزلت بها في سنة ١٩٤٠. وأدى تعاون الكثيرين من المستوطنين مع نظام فيشي الموالي للنازيين في فرنسا إلى قيام أعمال العنف ضد مسلمي الجزائر بصورة خاصة، وضد اليهود أيضا. وأدى ذهاب الجزائريين إلى الحرب للدفاع عن فرنسا إلى تدمير الإنتاج. وزاد من الصعوبات الاقتصادية التي عاشتها الجزائر في سنوات الحرب ما حدث من انحباس الأمطار في بعض السنوات، ووقوع سيول وفيضانات في سنوات أخرى. وخلال ذلك كانت الدعاية النازية، والخلافات بين سياسة فرنسا وقادتها العسكريين، إلى انهيار ما بقي من هيبة لفرنسا في أنظار الجزائريين. ثم جاء ميثاق حلف الأطلسي، وتعاظم قوة الحلفاء ليشكل حافزا جديدا في دفع الجزائريين لتفكير بمسقبلهم على أسس جديدة. وتحولت السجون والمعتقلات التي أقامها النازيون وأنصارهم من الفيشيين في الجزائر إلى مدارس سياسية، تبلورت فيها النويات الأولى للتنظيمات السرية. وأدى إقبال حكومة فيشي على اتباع أسلوب (تمجيد عظمة فرنسا المسيحية) إلى دفع المعتدلين الجزائريين وفي طليعتهم - عباس فرحات - إلى الوقوف صراحة في صفوف
(*) ليل الاستعمار - فرحات عباس - ترجمة وليم خوري ص: ١٦٤ - ١٧٣.