لتحقيق الانتصار الخارجي. ومن هنا أيضا، فقد كان للإنتصار الخارجي دوره بإضعاف أعداء الداخل وكشف خياناتهم، الأمر الذي ساعد على تصفيتهم. ولقد بقيت هذه العلاقة الجدلية الثابتة بين القوة الخارجية والقوة الداخلية هي العلاقة الثابتة والمميزة لقوة الأنظمة وقدرتها على البقاء والاستمرار، والأمر صحيح بالنسبة للعلاقة الجدلية المضادة، فالتمزق الداخلي وبروز (أعداء الداخل) ما هو إلا دليل في الواقع على مرحلة احتضار الدول وبرهان على قرب انهيارها. ومن هنا أيضا تظهر أهمية الدور الذي اضطلع به خير الدين في إنقاذ المغرب العربي الإسلامي من المحنة التي كان يجابهها، والتي كان يتعرض لها. فقد أدت الهجمة الصليبية إلى ظهور الطبقة المتسلطة من (أعداء الداخل)، ولم يكن هناك من أمل لتحويل التيار إلا بظهور قوة يمكن لها مجابهة القوى الصليبية، الأمر الذي يفسح المجال للقوى المؤمنة الصادقة لممارسة دورها التاريخي والاضطلاع بمسؤوليتها القومية والدينية، وكانت الجزائر بأرضها وبشعبها منبت تلك القوى التي عملت على تحويل تيار الاستسلام إلى تيار المجابهة.
لقد استطاع (خير الدين) مجابهة الهجمة الصليبية في أشرس مراحلها، مرحلة تصفية الأندلس الإسلامية، واستطاعت (الجزائر المحروسة) مجابهة الهجمة الصليبية وهي في ذروة قوتها وجبروتها. ونشأ عن هذا التلاحم الصادق بين (تيار الأحداث) و (قصة البطل) ظهور الملحمة الخالدة. ملحمة بناء الجزائر قوة لها وللعرب المسلمين فوق كل أرض العرب المسلمين. غير أنه في مرحلة التحول الحاسم، كان من المحال إعادة العجلة إلى الوراء، والعودة بالأندلس إسلامية كما كانت أيام الفتح، فقد أظهرت مسيرة الأحداث - عبر سيرة القائد خير الدين - تلك القوى الهائلة التي تكتلت للعمل ضد المسلمين في مشارق